Histoire de l'Égypte sous le règne du Khédive Ismaïl Pacha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
ولما كان تفصيل وقائع تلك البعثات، على ما فيه من لذة وتشويق للمطالعة، يستدعي كتابا على حدته، يحسن بالمجمع العلمي المصري أن يكلف بوضعه أحد أعضائه الأفاضل، ولو على سبيل الاعتراف بما كان (لإسماعيل) عليه من أياد، نرانا مضطرين لئلا يطول هذا المؤلف بين أيدينا طولا منتقدا إلى الاكتفاء بنبذة وجيزة عنها والإشارة إليها فقط.
على أننا لسنا بذاكرين هنا إلا البعثات المرسلة من (إسماعيل) على نفقة حكومته الخاصة، مغضين النظر عن البعثات التي شجع على إرسالها المجامع العلمية الغربية، من نوع الشركة الجغرافية الملكية بلندن وغيرها، أو قام بها أفراد كالسير صموئيل بيكر، بمساعدته الفعالة.
ومرجع الفضل في تمكين (إسماعيل) من الإقدام على إرسال تلك البعثات إنما هو لاستقدامه الضباط الأمريكيين، وانشائه مدرسة خاصة لتخريج أركان حرب، واعتنائه اعتناء فائقا بتربية ضباطها، ثم لاحتياطه برجال ذوي عزم وشجاعة من الغربيين والمصريين على السواء، رأوا لذة كبرى في إيقاف حياتهم على الرحلات والاستكشافات العلمية.
وإليك بيان تلك الرحلات والاستكشافات مأخوذا عن كتاب «مصر الخديو» للمستر إدوين دي ليون القنصل الأمريكاني السابق لنا ذكره مرارا: (1) رحلة جوردون من جندوكورو إلى بحيرة ألبرت نيانزا، برفقة واطسون، وتشيندال، وچيسي، لمعرفة مجرى النيل الأبيض في تلك الجهات، والوقوف على أحوال البلاد الممتدة على ضفافه؛ الجوية والطبيعية والزراعية وغيرها. (2) رحلة واطسون وتشيندال بأمر من جوردون، من الخرطوم إلى جندوكورو، للغرض والمهمة عينها. (3) رحلة واطسون وتشيندال أيضا في ديسمبر سنة 1874 إلى رچاف بالقرب من جندوكورو، ليرصدا انتقال الزهرة، ويضعا تقريرا عنه للمراصد الفلكية بمصر والغرب. (4) رحلة چيسي بأمر من جوردون إلى بحيرة ألبرت نيانزا، وطوافه فيها للوقوف على اتساعها، وعلى مقدار المنصب من مياهها في النيل سنويا، ولمعرفة أحوال القبائل القاطنة على سواحلها وغير ذلك. (5) رحلة لونج تحت إمرة جوردون لارتياد مجرى النيل، واختباره بين بحيرة فكتوريا نيانزا ومرولي، اختبارا شاملا، واستكشافه بحيرة إبراهيم، المسماة كذلك على اسم أبي الخديو، ووصفه إياها وصفا وافيا. (6) رحلة لينان وچيسي وبياچيا، تحت إمرة جوردون، لتحقيق مجرى النيل، ودرسه درسا دقيقا، ما بين شلالات كما، وبحيرة ألبرت نيانزا. (7) استكشاف چيسي الفرع الخارج من النيل بالقرب من بحيرة ألبرت نيانزا، والسائر نحو الشمال الغربي. (8) استكشاف بياچيا الفرع الخارج من بحيرة إبراهيم، والسائر نحو الشمال. (9) رحلة جوردون بين فويرا ومرولي، لدرس مجرى النيل بينهما. (10) رحلة لونج ومانيو إلى البلاد ما بين النيل الأبيض بالقرب من جندوكورو وبحر الغزال، لاختبارها ودرس أحوالها وطبائعها، واستطلاع بلاد ماكياكا ونيام نيام (النمانم). (11) رحلة الكرنيل كلستون ومعه خمسة من ضباط أركان الحرب، لاستكشاف وتخطيط الطرق ما بين الدبة ومتول، والدبة واتيل. (12) تجول الكرنيل كلستون في الجزء الشمالي من إقليم كردوفان، لوضع تقرير واف عنه، وقضاؤه عدة شهور في تلك المهمة. (13) رحلة الميچر پراوت لارتياد إقليم الكردوفان عامة، والوقوف على دقائقه، ووضعه خريطة شاملة مفصلة لغاية الدرجة الثانية عشرة من العرض الشمالي، وتجواله، ومعه الخمسة الضباط البادي ذكرهم من ضباط أركان الحرب في تلك الأصقاع، تجوالا قطع فيه نيفا وستة آلاف كيلو متر، وتحديده سبعة عشر موقعا تحديدا فلكيا. (14) قيام الدكتور پفند تحت إدارة كلستون وپراوت بإجراء اختبارات نباتية، لمعرفة نباتات وأزهار إقليم الكردوفان، والعود بمجموعة نباتية من تلك البلاد، كان لها شأن يذكر عند علماء التاريخ الطبيعي. (15) قيام الكرنيل پردي واللفتننت كرنيل ميسون وخمسة من ضباط أركان الحرب المصريين بارتياد الطريق وسيره ما بين دنقلة والفاشر عقب استيلاء الجنود المصرية على دارفور. (16) رحلة الكرنيل پردي واللفتننت كرنيل ميسون، والميچر پراوت، وتسعة من ضباط أركان الحرب المصريين إلى دارفور، ودار فرتيت، وحفرة النحاس، واستطلاعهم أحوال تلك البلاد الجوية والطبيعية والزراعية والمعدنية، وسيرهم من جبل ميروب شمالا إلى السكا جنوبا، وودداي غربا، ووضعهم خريطة عامة شاملة لجميع هاتيك الأصقاع بعد اجتيازهم 6500 كيلو متر، وتعيينهم 22 مركزا تعيينا فلكيا دقيقا. (17) قيام الدكتور پفند، تحت إدارة الكولونيل پردي، بإجراء اختبارات نباتية لمعرفة نباتات إقليم دارفور المفتتح، وأزهاره، والعود منه بمجموعة نباتية كان لها شأن المجموعة التي جاء بها الدكتور عينه من كردوفان. (18) رحلة متشل الچيولوچي، وأميليانو، وضابط من ضباط أركان الحرب المصريين من قنا إلى البحر الأحمر، بالقرب من القصير، ووضع خريطة لتلك الجهات وتقرير علمي عنها. (19) رحلة متشل عينه بمن معه إلى البلاد الواقعة في شمال زيلع الغربي، وبالقرب من فرضة تتچورا، للوقوف على حالها من الوجهة العلمية على العموم، والچيولوچية على الأخص. (20) قيام القائمقام مختار والمساعد القائمقام فوزي باستطلاع الأرض ما بين زيلع وهرر، وتخطيطها، ووضع خريطة لها وللبلاد الواقعة في جيرتها من جميع الجهات. (21) بعثة الكرنيل لكيت والكرنيل فيلد، واللفتننت كرنيل دريك، والضابط بليغ أفندي، والميچرات ديوليو ودنيش وديوهولي، والكبتن إرجنس، وعدة من ضباط أركان الحرب الآخرين إلى جوار مصوع وهضبة الحبشة، لدرس طبيعة الأرض وطوبوغرافيتها، ومناخ البلاد، ووسائل معيشتها، ولوضع خريطة مفصلة لها، وذلك قبيل الحمل عليها عسكريا. (22) بعثة متشل بعد اكتشافه منجمي ذهب قديمين، وأميليانو من مصوع إلى هضبة الحبشة لإجراء أبحاث چيولوچية، وهي البعثة التعيسة التي أسر فيها الأحباش متشل ورجاله، وأذاقوهم العذاب ألوانا وصنوفا، وقد بين ذلك الأمريكي الفاضل والمنكود الحظ معا تفاصيل حوادثها في الكتاب الخاص الذي وضعه عنها للجنرال ستون، والذي يدخل قارئه في كنه أسرار المعيشة الحبشية، وأخلاق أولئك الأقوام الهمجيين.
2 (23) رحلة الضابط عبد الرزاق نظمي وبعض زملائه من أركان الحرب المصريين، من بربرة إلى جبل دوبار، للوقوف على حال البلاد الواقعة بينهما، ووضع خريطة تبينها وتشرحها. (24) رحلة الكرنيل وورد، واليوزباشي صدقي إلى سواحل المحيط الهندي الإفريقية الشرقية، لدرس طبيعتها، ومعرفة مواقعها، ووضع خريطة تفصيلية لها. (25) رحلة الميچر ديوهولي، صحبة ضابط من ضباط أركان الحرب، لاستطلاع الطريق بين أسيوط وعين العجبة، ووضع خريطة لها تسهل على القوافل السير فيها. (26) رحلة الضابط محمد هدايت من ضباط أركان الحرب تحت إدارة متزنجر، للاستطلاع ما بين فرضة تتچورة وبحيرة أعوسا. (27) و(28) و(29) بعثات مختلفة إلى كردوفان ودارفور وخط الاستواء، لإجراء اختبارات واستطلاعات بارومترية، وترمومترية متنوعة. (30) بعثة برتن إلى أرض مدين للوقوف على معادنها وغلاتها. وبرتن رحالة مشهور جال المعمور بأسره تقريبا، ووضع كتبا ترغب في مطالعتها، وصف فيها أسفاره وصفا حيا.
وإن الإنسان ليقف مبهوتا حائرا أمام انبعاثات هذه الهمم الإسماعيلية الفائقة في ميدان لم يخطر لأحد من أسلاف صاحبها العمل فيه، مع أن المدة المنصرمة بين ملكهم وملكه قصيرة، ويكاد العقل لا يتصورها كافية لنضوج مثل هذا التقدم الرائع في العقلية العلمية، وتقدير العلم حق قدره لمجرد ذاته.
وفي الحقيقة، فإننا نعلم أن (محمد علي) الرجل العظيم على سعة عقله، وقوة بداهته، وصفاء ذهنه، لم يكن يقدر أن يفهم مطلقا ما هي الفائدة من صنع الخرط، حتى إنهم يروون عنه أن سليمان باشا الفرنساوي، بينما كانت الحرب قائمة على قدم وساق في سوريا، بعث يطلب من إدارة الأشغال العمومية بمصر إرسال فرقة من المهندسين إليه لكي يضعوا خريطة لتلك البلاد، لا سيما لبعض أجزاء منها كان يشعر باحتياجه إلى معرفة طوبوغرافيتها بالدقة، لأعماله الحربية، فلما كونت الفرقة، ووضعت الأدوات اللازمة لها تحت تصرفها، التمس من (محمد علي) التصريح لها بالسفر، ولكن الباشا حين علم أنها مسافرة لغرض عمل خريطة فقط رفض قائلا: «وما الفائدة من عمل خريطة، ما دامت البلاد في أيدينا؟»
3
وإننا نعلم أن الخرط المساحية التي صنعها الإيطالي المدعو (مازي) مع بضعة شبان مصريين متخرجين من القصر العيني لبعض أجزاء مصر السفلى، حينما مسحت عموم الأطيان المصرية في سنة 1822 تحت إدارة المعلم غالي كبير القبط وملاحظته، قد بعثرت كلها ودثرت بالرغم من نفاستها وشدة الحاجة إليها،
4
Page inconnue