306

Histoire de l'Égypte sous le règne du Khédive Ismaïl Pacha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genres

فارتاح حزب نوبار إلى هذا التعيين الأخير، واعتقدوه كافلا لسلامة الحملة، لتيقنهم من أن راتب باشا سينقاد حتما إلى مشورات لورنج وزملائه ونصائحهم، ويأخذ بها، فلا يرتكب شططا، ولا يلقي بنفسه في تهلكة، ولم يتكدر من التعيين عينه حزب شريف وإسماعيل صديق، لتيقنه من أنه لن يكون للورنج وزملائه أقل نفوذ على السردار، وأن راتب باشا سيهمل نصائحهم وإرشاداتهم، ويضرب بها عرض الحائط، مع بقاء المسئولية في حال وقوع نكبة عليهم شخصيا.

ولكي يظهر (إسماعيل) بجلاء أن غرضه من تسليم القيادة العليا إلى شرقي، وتسليم رياسة أركان الحرب إلى غربي، إنما هو أن يعمل العنصران معا، كل على قدر طاقته، وبنسبة مواهبه، على ما فيه خير البلاد، جمع كبار ضباط الحملة من العنصرين ثلاث مرات متوالية عنده؛ ليلقي عليهم تعليماته الأخيرة، وذلك بحضور ابنه الأمير حسين ناظر حربيته (وهو المغفور له سلطاننا الكامل حسين الأول المبكي عليه كثيرا)، ونوبار باشا، وشريف باشا، وصديق باشا، وغيرهم.

ففي أول اجتماع أفهمهم أن سلامة الجيش قائمة على اتحاد القيادة العليا وهيئة أركان الحرب اتحادا تاما في جميع الشئون، ولاضطراره إلى التغيب في الاجتماع الثاني بسبب وفاة أخيه الأمير مصطفى فاضل في الأستانة يوم 3 ديسمبر سنة 1875، أناب عنه ابنه الكامل في بذر بذور الإخاء بين العنصرين. وفي ثالث اجتماع سلم بيده لراتب باشا تصميم خطة للحملة وضعه الجنرال ستون، وأفهمه جليا أن الغرض منها إنما هو استرجاع مهابة مصر في أعين السودان وأوروبا، وأنه يلزمه، والحالة هذه، محاربة النجاشي، ومواقعته في ميدان مفتوح، والانتصار عليه، حتى لو اقتضت الحال ذهابه بالجيش إلى عاصمته، على أن يكون ذلك قبل شهر مايو سنة 1876.

وطلب نوبار باشا إلى الخديو أن يوصي راتبا وباقي قواد الحملة بمراعاة شروط الحرب وأصولها المتفق عليها عند الأمم المتمدينة: فيمنعون الجيش عن ارتكاب أي عمل وحشي، ويحملون الجند على تجنب الإساءة إلى غير المحاربين من الجيوش ، فلا يقطعون زرعا، ولا يتلفون ضرعا، ولا يحرقون بيتا، ولا يعملون - بالاختصار - عملا فظا لا تجعلهم المقتضيات الحربية في اضطرار إلى ارتكابه.

فلم يكتف (إسماعيل) بتوصية سرداره بذلك جميعه، بل إنه جعله مسئولا مسئولية شخصية عن كل مخالفة في هذا السبيل، ثم استدعى الجنرال لورنج وجمع يده أمام نوبار باشا إلى يد راتب، وقال لهما: «إني أرغب إليكما أن تعملا معا كأخين، وتراعيا الله والبلاد في العساكر المسلمة أعمارهم إليكما.» وأوصى راتب بالإصغاء إلى نصائح لورنج والعمل بها.

31

ومن ثم سافرت الحملة إلى السويس، وخرج الأمير حسين ونوبار باشا وغيرهما من ذوي المقامات الرفيعة إلى محطة مصر لتوديع القواد، فأقلهم القطار إلى ذلك الثغر القلزمي، حيث استقلوا «الدقهلية» إحدى البواخر الخديوية، فذهبت تمخر بهم عباب البحر وعجاجه - لأن الأيام كانت شتاء - حتى بلغت بهم مصوع في 14 ديسمبر سنة 1875.

ولكي تتكون عند القراء فكرة صحيحة من صعوبات تلك الحملة، يكفينا أن نذكر هنا أن الكلام على ظهر «الدقهلية» في رحلتها كان يدور بين المسافرين عليها بالعربية والإنجليزية والألمانية والفرنساوية والتركية والتليانية والنروجية وغيرها، كأن تلك السفينة برج بابل ثان، وذلك بسبب اختلاف جنسيات الضباط المتألفة منهم هيئة القيادة، وجنسيات تابعيهم وخدامهم.

فإلى جانب راتب باشا السردار الشركسي، كنت ترى الجنرال لورنج والكرنيل داي واليوزباشي پورثر وغيرهم من الأمريكان، ونائب الأميرالاي علي بك الإيطالي المعتنق الإسلام، واللفتننت كرنل البارون فون مكلين المهندس النمساوي الألماني، والميچور تورن هايسن النمساوي أيضا الذي كان مع الإمبراطور مكسمليان المنكود الحظ، وكان يحسن التكلم بست لغات، واللفتننت كرنيل دريك والميچور لمسن والميچور لوشي المهندسين، والميچور ولسن الجراح، ورشيد باشا وعثمان رفقي باشا، وكلاهما شركسي، وخورشد بك أمير الآلاي السوداني، وعثمان بك نجيب وعثمان بك غالب الشركسيين أيضا، والكونت سرماني الطلياني، ومحمد بك جابر الأميرالاي المصري البحت، وصبري أفندي رئيس المدفعية والقائمقام إبراهيم لطفي، وكان يحسن التكلم بالإنجليزية، ورفعت أفندي رئيس كتاب السردار، وآخرين لا نريد أن ننزل بالتاريخ إلى حد الاهتمام بذكر أسمائهم، من ملل وأجناس مختلفة .

وبينما الجيش معسكر في مصوع يستكمل معداته، ومعسكر النقل يقام في (أركيكو) على بعد بضعة أميال إلى جنوب مصوع، إذا بكتاب من الجنرال كركهام، تاريخه 18 ديسمبر سنة 1875، وصل إلى القيادة المصرية في 22 منه، يفيد رغبة النجاشي في تسليم مائة أسير وخمسة من المصريين إلى محافظ مصوع - وكان المحافظ شابا في مقتبل العمر يقال له أحمد بك، ويهابه الكل بالرغم من صغر سنه، ومن أنه كان غرا جاهلا، لا يدري شيئا لكونه ابن أخت المفتش المخيف إسماعيل صديق باشا، ناظر المالية المصرية، وكان قد أخلف على تلك الوظيفة أراكيل بك نوبار التعس الطالع ابن أخي نوبار باشا - ولم يمض يومان حتى وصل أولئك الأسرى، وإذا بسبعة وثلاثين منهم مخصيون! ثم وصل كركهام بعد أيام قليلة، يحمل رسالة من النجاشي إلى الملكة فكتوريا، فما كان من الحراس المقامين على مدخل المعسكر المصري إلا أنهم قبضوا عليه، وزجوه في حفرة قذرة، ثم حكم عليه بالسجن فيها، فأقام المسكين في قاعها أياما، ناقما، متململا، شاتما، ثم أطلق سراحه إلى مصوع بعد أن أقيمت لإكرامه وليمة فاخرة، أبى أن يتناول فيها زادا، أو يشرب سائلا؛ لخوفه من أن يكون قد وضع له في شيء من ذلك الموت سما.

Page inconnue