299

Histoire de l'Égypte sous le règne du Khédive Ismaïl Pacha

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genres

تقدم أن الدولة العثمانية تنازلت لمصر عن سواكن ومصوع في سنة 1866 مقابل زيادة في جزيتها السنوية، فمذ أصبحت مصوع بيد مصر أخذت تسعى في تأييد المواصلات بينها وبين كسلا، وأول ما فتق لها وصل هذين البلدين بخط حديدي يمر في (سنهيت) التي اعتبرها (إسماعيل) داخلة في فتح جده لكسلا.

فعارضه الملك ثيودورس - نجاشي الحبشة - في ذلك، وزعم أن (سنهيت) ملك حبشي، ولكن ثيودورس هذا ما لبث أن جر على نفسه حربا مع الإنجليز، فطلب أعداؤه من (إسماعيل) أن يأذن لهم باجتياز بعض الأرض المصرية الواقعة على بحر القلزم، فلم يكتف (إسماعيل) بإجابتهم إلى ذلك، ولكنه، لاستيائه من ثيودورس، وضع الأسطول المصري كله الذي كان في البحر الأحمر تحت تصرفهم، وأرسل إلى مصوع وضواحيها زهاء ثلاثة آلاف عسكري، كانوا قد عادوا من الحملة الكريتية، وكلف حاكم مصوع بمساعدة الإنجليز في كل ما يرغبون.

فانتهت تلك الحرب بقتل ثيودورس، سنة 1868، وصيرورة عرش الحبشة بعده إلى يوحنا، وكان هذا في بادئ أمره تلميذا في دير، ولكنه ما لبث أن تركه وترأس منسرا، وأخذ يقطع الطرق، ثم اشتد ساعده، وزاد بطشه، وعلا نفوذه، حتى تمكن من تبوء كرسي الحكم في مقاطعة البحري، والتغلب على رئيس يقال له الرأس باريو، كان من أهم رءوس الجيوش. ولما قدم الإنجليز لحرب النجاشي ثيودورس ساعدهم يوحنا، وكان اسمه في ذلك الحين «الرأس قاسة»، مساعدة فعالة، فترك له اللورد نيبير أوڨ ماجدالا - بعد قهره النجاشي وقتله إياه - اثني عشر مدفعا، وألفي بندقية، وميرة كثيرة ليتساعد بها على القيام في محل ثيودورس. وبعد انسحاب الجيش الإنجليزي تخلف عنده بريطاني يقال له چون تشارلز كركهام، وكان قد حارب في القرم والصين مع برجوڨاين، وورد، وجوردون، فعضده في التغلب على خصم له يدعى جوباسي، فعلت منزلته عنده. وبما أن يوحنا هذا لم يكن من آل بيت الملك أبى كثيرون من رؤساء الأحباش الاعتراف به، وأخذوا يناوئونه العداء، وأهمهم رأس قبيلة القالا، فانشغل في قتالهم دهرا.

وكانت الجنود المصرية مذ بدأت بفتح أقاصي السودان قد توغلت في فتوحاتها على ما رأينا، حتى بلغت خط الاستواء، فوقع في خلد (إسماعيل) أن يجعل النيل كله مصريا؛ لاعتقاده تحقيق ذلك أمرا حيويا لبلاده، فأخذ يعمل على الإحاطة بالحبشة من جميع الجهات لجعلها في معزل عن الخارج، وخنقها بين حلقات ممتلكاته، في تداني هذه بعضها من بعض، لا سيما بعد أن تم له امتلاك السودان برمته؛ غربيه وشرقيه وجنوبيه. فسير إلى جوف بلاد الحبشة - لمعرفة أحوالها، واستمالة بعض كبار رءوسها - رجلا سويسريا يقال له متزنجر، كان قنصلا لدولتي إنجلترا وفرنسا في مصوع، فتوغل هذا فيها، وغاب خبره حينا، ثم عاد حاملا شيئا من محاصيل البلاد، وزين للخديو التغلب عليها وامتلاكها، مغتنما لذلك فرصة قيام الفتنة بين أمرائها وملوكها، وضرب الخلل أطنابه في جوانبها، وأقسم له بأغلظ الأيمان إنه يملكها ويدوخها بنفر من العسكر المصري، وشيء يسير من النفقة.

فأعجب الخديو برأيه ومال إليه، وما زال متزنجر يتردد على الأبواب السنية حتى ولاه (إسماعيل) المحافظة على فرضة مصوع، مفتاح أرض الحبشة البحري، وحلاه برتبة الباكوية - وكانت رتبة سامية، ولم تزل كذلك، حتى جعلها الاتجار بالألقاب والنياشين، في عهد عباس الثاني، مبتذلة محقرة - فسار متزنجر إلى مقر وظيفته الجديدة - وهو مقره القديم - وأخذ يقرب إليه بعض مشايخ السواحل، ويستميلهم بالنقود والهدايا، ويدفع بهم إلى دس الدسائس وإيقاظ الفتن كلما نامت ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

فلما كانت سنة 1872 اغتنم متزنجر فرصة ذهاب يوحنا إلى محاربة القالا في الجنوب، واستولى على (كرن) عاصمة البوغوس - واسمها الحبشي (سنهيت) - بألف وخمسمائة رجل، واستمال رأسا يقال له النائب محمد، كان يكره يوحنا، فاشترى منه مقاطعة (آيلت) الواقعة بين الحماسين ومصوع، وأدخله تحت ولاء الخديو مقابل مرتب سنوي يدفع له.

ولم يكن يوحنا بغافل عن مساعي مصر ورغائبها، وكان يراها ترمي شباكها حوله بعين متخوفة وقلب مضطرب، فلما وجدها باحتلالها (سنهيت) ومشتراها (آيلت) تدنو من قلبه هب منذعرا، ووقع في خلده في بادئ الأمر أن يستظل في حماية الدول الغربية، بأن يمثل لها التقدم المصري في صورة غزو إسلامي لبلاد مسيحية، يستدعي أن تقابله المسيحية بصليبية جديدة، فأرسل صديقه چون تشارلز كركهام إلى الملكة ڨكتوريا وباقي عواهل أوروبا في تلك المهمة، ولكنه لم يجد من أحد منهم أذنا صاغية، وعاد رسوله بخفي حنين؛ لأن أيام الصليبيات انقضت بدون أمل في رجوعها مطلقا.

فعزم يوحنا على تولي أمر الدفاع عن نفسه بنفسه؛ لذلك قلد كركهام - ما دام حيا - رياسة مقاطعة من ضمنها (جندا)، الواقعة جنوب (آيلت)، وخليج أربى - وكان المصريون قد استولوا عليه أيضا لفتح ثغر زولا - فرفع كركهام الراية الإنجليزية عليها؛ ليحميها من تعديات مصر حماية فعالة.

ولكنه حدث في سنة 1874 أن الأمير أحمد، سلطان هرر - وهرر كانت سلطنة إسلامية مستقلة شرقي الحبشة، أسسها غزاة العرب بعد قيام الإسلام بقليل، وحكمتها أسرة من أهلها - مات وتولى السلطنة بعده الأمير محمد، وأن هذا السلطان الجديد استبد بالأهلين استبدادا لم يعد لهم معه طاقة على حكمه، فاستنجدوا (بإسماعيل) وسألوه أن يرسل من قبله واليا يتولاهم بدل سلطانهم، فأسرع (إسماعيل) إلى إجابة سؤالهم، وأخذ يسعى في شراء زيلع وبربرة، ميناءي هرر، من الدولة العلية، وما لبث أن نجح في سعيه، وتنازل الباب العالي عنهما في يولية سنة 1875 مقابل زيادة 13365 جنيها على جزية مصر السنوية، فامتد سلطان مصر على ساحل القلزم الغربي عامة، من خليج السويس إلى تچوره، وتجاوزه إلى رأس جردافوي على المحيط الهندي، متناولا بذلك ذات الأرض السومالية القصية.

وإنما رمى (إسماعيل) في هذا المشترى إلى غرضين: (الأول) إتمام تطويق بلاد الحبشة من كل جانب ، حتى من حيث لم يكن ليخطر لأحد على بال؛ لينال منها ما يريد، و(الثاني) تحقيق تحويل مجرى تجارة النيل الأعلى والبلاد الواقعة على البحيرات إلى المحيط الهندي، تحويلا يكون كله في مصلحة مصر.

Page inconnue