Histoire de l'Égypte sous le règne du Khédive Ismaïl Pacha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
وهب إيطالي، يقال له: المسيو كرلو تمازي، فأنشأ مدرسة إيطالية بمصر، قصدها أولاد الجالية الإيطالية؛ ولكنها ضاقت دون عددهم رحبا، ولم يتمكن أولاد الفقراء من الانتظام فيها لعدم مقدرتهم على دفع مصروفاتها.
فنهض المسيو فيجري، وأنشأ في سنة 1870 مدرسة إيطالية مجانية، أهم ما امتازت به عن سواها، أنهم كانوا يمرنون الطلبة فيها على الترجمة من الفرنساوية إلى التليانية والعربية، وبالعكس، في آن واحد، وشفويا على مسمع من الفرقة برمتها: فتتربى، عند التلامذة، المقدرة على تحويل الفكر، بسرعة، من إحدى هذه اللغات إلى الأخرى، وعلى إبرازه مرتديا بالحلة التي تقتضيها طبيعة كل منها.
غير أن أهم عمل تعليمي قامت به الجاليات الأجنبية بمصر، هو الذي تم بمساعي المسيو دوفين ومجهوداته، وأعني به إنشاء معاهد تعليمية مجانية، لا صبغة جنسية أو دينية عليها؛ ولا غرض منها سوى تثقيف العقول، وتنوير الأذهان، وتخفيف عبء مشقات الحياة على العاملين في ميدانها، دعيت «المدارس الحرة المجانية العمومية ».
ففي أول سبتمبر سنة 1868، فتحت مدرسة هذا شأنها في الإسكندرية، ولكي يكون النجاح قرين سيرها، وامتثالا لرغبة (إسماعيل)، الذي كان أكبر معضد للقائمين بأمرها، وضعت تحت رعاية سمو ولي عهده، الأمير محمد توفيق باشا - وكان له من العمر، حينذاك، ست عشرة سنة، فقط - فخصها باثني عشر ألف فرنك سنويا، وحفها بكل صنوف العناية، فبرزت إلى الوجود، علمية، حرفية، عروس المدارس وأفيدها، وأمها القاصدون من كل مذهب وجنس، وليس فيها مظهر البتة يذكر أحدهم بأن هناك فارقا بينه وبين الجالس بجانبه؛ بل يشعر الجميع بأنهم إخوة في الإنسانية المحضة، وأن هذه الأخوة هي الرابطة الوحيدة بينهم، وشرعوا يتعلمون فيها العربية، والإنجليزية، والفرنساوية، والتليانية، ومبادئ الرياضة، والهندسة، والتاريخ؛ ويتعلم من شاء منهم الحرفة التي يختارها، فنجحت نجاحا عظيما، ذهب مداه إلى أبعد ما كان ينتظر ويرجى، ومن شاء الوقوف على حقيقته، فليطالع التقرير الذي رفعه مجلس إدارتها إلى سمو الأمير محمد توفيق باشا، الموجود نسخة مطبوعة منه في المكتبة السلطانية بمصر.
13
ذلك النجاح السار حدا بالمسيو دوفين وزمرة الرجال الكرام العواطف، الذين وضعوا أيديهم في يده، إلى إنشاء مدرسة مثلها بمصر، فتأسست في سنة 1873، بمساعدة مالية كبرى من (إسماعيل)، وتحت رعاية سمو ولي عهده، أيضا، وبالنفحات السنوية عينها التي لشقيقتها بالإسكندرية، وفي الوقت الذي لم يقصد فيه هذه سوى 256 طالبا - منهم 90 فقط مصريون - قصد مدرسة مصر وانتظم في سلكها 486 طالبا - منهم 262 مصريون، من كل ملة وطائفة ونحلة، و15 إنجليزيا، و62 فرنساويا، و73 إيطاليا، و26 يونانيا، و21 نمساويا، و5 بروسيان، و3 أتراك، و3 روس، و3 إسبانيول، و13 من جنسيات غير محددة - ويتضح من الأرقام التي ذكرناها أن نجاح مدرسة مصر كان أعظم من نجاح مدرسة الإسكندرية.
ولم يقتصر المسيو دوفين ومساعدوه على فكرة إنشاء هاتين المدرستين، بل إنهم، منذ استطعموا لذة نجاح مسعاهم، وقطفوا ثماره بالإسكندرية، هبوا، في عامي 1869 و1870 إلى فتح فرق ليلية، لتعليم الشبان والرجال بالثغر، وساعدهم (إسماعيل) مساعدته المعهودة، فأخرجوا مشروعهم إلى حيز الوجود، واندمج في سلك تلك الفرق 450 طالبا ، منهم 273 من رعايا الحكومة المحلية.
هكذا تناولت الحركة التعليمية بمصر، في عهد (إسماعيل)، جميع المظاهر، من التعليم الديني المحض في المعاهد الدينية المحضة، كالأزهر وغيره، إلى التعليم، المتخذ دثارا لترويج التعليم الديني، في معاهد الإرساليات المسيحية، إلى التعليم الممزوج بشيء من الدين، عملا بمؤثرات الوسط والبيئة، في مدارس الطوائف الشرقية المختلفة، ومدارس الجالية اليونانية، إلى التعليم المدني البحت الخاص بجنس دون جنس، في مدارس الجالية التليانية، إلى التعليم المدني البحت، المجرد عن كل صبغة دينية وجنسية، في المعاهد المنشأة بمساعي المسيو دوفين ومن معه، وفي ذلك أوضح صورة لما كانت عليه الأفكار والأخلاق في تلك الأيام، وأكبر دليل على سعة صدر (إسماعيل) ورجحان عقله العظيم، في أمر قلما اتفق لعاهل شرقي، غيره، أن لا يبدي فيه تعصبا لهذا الفريق أو ذاك.
ولا يسعنا أن نختم هذا الفصل عن حركة التعليم بمصر، في أيامه، بدون أن نذكر ما لاقت من عنايته المدرسة التي أنشأتها الحكومة الإيطالية بالإسكندرية في عهد (سعيد باشا ) وتولت أمر الإنفاق عليها، وبدون أن نذكر ما كان من شأن الإرساليات المدرسية إلى البلاد الأوروبية ما بين سنة 1863 وسنة 1879.
أما مدرسة الحكومة الإيطالية بالإسكندرية، فقد سبق لنا القول أن (سعيدا) نفحها بستين ألف فرنك، ووهبها ثمانية آلاف ذراع في نقطة من أحسن جهات المدينة، ونقول الآن إن حركة التحسينات، التي أدخلها (إسماعيل) على أحياء الإسكندرية وشوارعها، اقتضت نزع ملكية جزء من تلك الأرض، فبالنسبة للصداقة المتينة التي كانت بين (إسماعيل) وڨيكتور عمانوئيل، ملك إيطاليا، ولتقدير العاهل المصري التعليم الملقن في تلك المدرسة حق قدره، دفع للحكومة الإيطالية ثمن ذلك الجزء وحده أربعين ألف جنيه، فاستعانت بها على تجديد بناء مدرستها، وترقية شئونها، وعهدت بإدارتها إلى أستاذ فاضل، يقال له: السنيور پاجاني، كان رأي دور بك فيه، «أنه أخير نظار المدارس بمصر بمبادئ الپيداجوجيا، وأحكمهم تطبيقا لأحدث طرق التعليم على مقتضياته بالقطر في تلك الأيام».
Page inconnue