L'Égypte sur deux tiers de siècle
مصر في ثلثي قرن
Genres
الفصل الثالث
الحكم الذاتي
«إنه لا يمكن قط أن تقوم حكومة حسنة مقام حكومة أهلية»
المستر لويد جورج
الأشكال التي تتخذها صور الحكم في الشعوب تتلون بألوان من الخصائص الفطرية، أو الملكات المكسوبة بالوراثة، أو بتحدي التاريخ، أو العادة المألوفة التي لم يذهب بها طول أمد الإهمال.
وإن المشاهدة لتدل على أن الناس مفترقون في ذلك، فالجماعة التي لم تعرف من خصائص الحياة إلا الشعور الساذج بأنها موجودة على قدر المكان الذي يحتويها والزمان الذي يشتملها، لا يصلح فيها حكم يعتمد على إرشادها لنفسها؛ فإن مثلها كمثل الطفل تعوزه الرعاية في حركاته، والتقويم في انتقال خطاه، ولكنك لا تجد تلك الجماعة إلا فيمن تهبط بهم «الصدفة» من رءوس الجبال، أما الذين تحملهم أرض المدائن ويكتنفهم عمران الحياة فإن مجرد اجتماعهم على هذا النحو بجعلهم أهلا لأن يستقلوا بشأنهم، ويعيشوا بإمرة أنفسهم لا بإمرة سواهم، وقد لا تكون صلاحيتهم للمثل الأعلى من الكمال تامة، ولكنهم لا يدركون هذا المثل الأعلى إلا أن يتركوا لأنفسهم ترفعهم لجة وتهبطهم لجة، حتى يجيدوا السباحة فوق غوارب بحر الحياة.
في العالم الآن أمم هي المثل الأعلى للحكم الذاتي في أجل معانيه، ولم يزل التاريخ ناطقا أن هذه الأمم لم تصل إلى ذلك إلا بعد أن تركت لنفسها، ولم يقل التاريخ قط إن أمة مغلوبة خرجت من يد أمة غالبة ظافرة منها بالتدريب على الحكم الذاتي الكامل، ولا قال التاريخ إن أمة فقدت حواسها وهي مقهورة حتى لم يوقظها القهر إلى ما تجهل مما يجب أن يكون لها، كل الأمم التي وعاها صدر التاريخ وكانت مغلوبة شعرت في غلبتها بأن الغالب سلط عليها بحكمه وأن سبيل نجاتها أن تحكم نفسها، وكان هذا الشعور مفتاح باب التفكير في الحكم الأصلح، أليس ذلك كافيا لإثبات أهليتها لأن تكون لنفسها، وأن تعيش لنفسها، وأن تنفصل عمن عداها لتنال الحق الطبيعي، وهو أن تبقى للوطن ويبقى الوطن لها؟
متى علم الرومانيون والدانماركيون الشعب الإنكليزي أن يحكم نفسه بنفسه؟ ومتى علم الإنكليز الأمريكيين أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم؟ ومتى تلقى البولونيون والفنلنديون والقوقازيون وشعوب الملايا وغيرهم دروس الحكم الذاتي عن قياصرة روسية؟ ومتى وعت شعوب أمريكا آيات هذا الحكم عن الإسبانيين؟ بل متى طلعت شمس الحرية في فرنسة بإرادة الغالبين الذين تلقفتها أيديهم جيلا بعد جيل؟
التاريخ تجارب صادقة إن لم يكن قواعد تبنى عليها الأحكام الصحيحة، وإلى جانب التاريخ الطبائع المكسوبة والتقاليد الموروثة، ولا ينكر حكم هذه الأقضية الثابتة إلا ذو غاية يمقتها العدل، أو جهل يبرأ منه العلم، أو عقل أعمى لا يبصر الحقائق.
والتاريخ يشهد أن مصر كانت لنفسها مستقلة أكثر ما عاشت من عمر الدهر، وكانت لها تجارب في حكم الشورى أكثر ما رأت من الأحكام في حياتها، وكانت تقاليدها الشورية متصلة الحلقات بماضيها البعيد وعهدها الحاضر، فإن لم يقتنع المعاندون بشهادة التاريخ فليقتنعوا بدلالة التجربة، وإم لم يقتنعوا بهذه فليقتنعوا بآثار الملكة النفسية التي استلزمتها التقاليد الموروثة، وإن لم يقتنعوا بهذه أيضا فلا أقنع المعاند إلا الله.
Page inconnue