L'Égypte sur deux tiers de siècle
مصر في ثلثي قرن
Genres
وقال هذا اللورد في سعيد باشا: «إنه كان أقل غلظة وتوحشا من سلفه، ولكنه أتى أعمالا في منتهى القسوة والشناعة».
وقال أيضا إن المستر ولن قنصل إنكلترا في القاهرة كتب إلى المستر سينيور سنة 1855: «إن سعيد باشا طائش متهور مجنون فقد صوابه من مداهنة الأجانب المحيطين به».
وتقول لجنة التجارة والصناعة في تقريرها: «وقد جنى أعقابه - تريد محمد علي - ثمار أعماله العظيمة ولم يألوا جهدا في أن يحذوا حذوه ويقتفوا أثره غير مدخرين وسعا في أعمال التحسين والتكميل، وكان لسعيد باشا وإسماعيل باشا قصب السبق في هذا الميدان».
أما إسماعيل باشا فلا يحتاج أبناء الجيل الحاضر إلى تكذيب ما تتقوله عليه السياسة؛ فإنهم لم يزالوا مغمورين بآثاره يرونها في كل شيء، وتقابلهم في كل مكان، فكل شيء في المدن والأقاليم وطرقها وشوارعها ناطق بهذه الآثار، ولا يظن أحد أن سليلا من سلالة هؤلاء الرجال المصلحين يسلم من تلك اللدغات إذا وقف في طريق الأفعى السياسية.
ولعلنا في حاجة إلى أمر لا بد لنا أن نذكره قبل ختام هذه الكلمة؛ فإنا نحسب أن الأذهان غير ملتفتة إليه:
يسمع المصريون أحيانا ذكر أسماء رجال النهضة الحديثة من مصريين وأوربيين، أما رجالنا وشباننا فإنهم يعرفون تلك الأسماء، وأما ناشئتنا الحديثة فهي لا تعرفها؛ لأنها لم تعد تسمع ذكرها بعد أن كانت من المدارس في مكان الأساتذة، ومن الألسنة في محل التمجيد.
رجالنا يعرفون أمثال رفاعة، ومصطفى مختار، ومظهر، وعلي مبارك باشا، وعبد الله فكري، وبهجت باشا، ومحمود الفلكي باشا وإسماعيل الفلكي باشا من العلماء والمهندسين، ومحمد الدري باشا وعلي إبراهيم باشا وعيسى حمدي باشا من الأطباء، والقواد الذين فتحوا السودان قبل أن يفتحه الجيش المصري الفتح الأخير، ثم ينسب ذلك إلى اللورد كتشنر ويكون به قائدا من عظماء الرجال يعرف رجالنا هؤلاء وإخوانهم الكثيرين بآثارهم الماثلة فيما تركوا من الأعمال والمؤلفات والمترجمات، ويعرفهم شباننا بأسمائهم فقط؛ لأن إرادة خاصة طوت آثارهم العلمية، وقطعت صلة النسب بين أسمائهم وآثارهم العملية، ولا تعرفهم ناشئتنا لأن هذه الإرادة الخاصة أزالت ذكرهم من كل شيء أمام الناشئة.
ويعرف رجالنا وشباننا غير هؤلاء العلماء الوطنيين، العلماء الأوربيين من أبناء فرنسا وإيطاليا وسواهما، أمثال كلوت بك وكياني ولينان موجل وهامنت ولمبير ... إلخ إلخ.
فقل لمن يعرفون هؤلاء وهؤلاء، ولم يذكرونهم بأثر قائم أو حديث مروي: هل رأت مصر أمثالهم، مصريين أو غير مصريين أثناء العهد الذي طغى عليها ستا وثلاثين سنة؟ ثم سل نفسك بعد أن تسمع الجواب، وسل كل إنسان: لماذا لم تر مصر أمثالهم؟ ألأن العلم رفع من الأرض؟ أم لأن الدنيا خلت من العلماء؟ أم لا لهذا ولا لذاك، بل لشيء آخر؟!
هل يقدر أن ترى مصر أمثال هؤلاء العلماء؟ نعم ذلك مقدور إذا عاد جوها كما كان صالحا لهم، ومن يعيد صلاح الجو غير أبنائها؟!
Page inconnue