L'Égypte sous Alexandre le Grand
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
Genres
الإهداء
كلمة تصدير
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
تعليقات على بعض مواد عرض ذكرها في الكتاب
الإهداء
كلمة تصدير
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
تعليقات على بعض مواد عرض ذكرها في الكتاب
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
Page inconnue
تأليف
إسماعيل مظهر
الإهداء
إلى الأستاذ الكبير
أحمد لطفي السيد باشا، مدير الجامعة المصرية
اعترافا بما له من الفضل على أهل هذا الجيل.
كلمة تصدير
هذه أول رسالة من مجموعة رسائل عزمت على نشرها في تاريخ مصر؛ تعريفا لأبناء النيل بشيء مما عانت بلادنا خلال العصور القديمة من أحداث الزمن، وتكاليف الحكم الذي تعاقبت عليها صوره بعد سقوط دولة الفراعنة، ودخول مصر في دور الاستعمار الأوروبي؛ وقد ظل مخيما على ضفاف النيل زهاء ألف سنة قبل الفتح العربي.
ولعل باحثا يتساءل عن السبب الذي حداني إلى اختيار هذا العصر، ليكون فاتحة رسائل أنشرها في تاريخ مصر؟ ولعل لمن يتساءل عذرا في تساؤله، إذا لم أبن عن السبب في اختياري هذا.
أما السبب فينحصر في أن دخول مصر في حوزة القيصرية المقدونية التي أسسها الإسكندر المقدوني الأكبر، كان فاتحة عصر جديد، يفصل بين عصر الفراعنة، وعصر الاستعمار الأوروبي، وهو عصر أخذت فيه البلاد شكلا جديدا غير الشكل الذي لابسها خلال عصر الفراعنة بطوله. هذا إلى أن كل غزو أجنبي، قبل غزو الإسكندر، لم يكن غزوا ذا آثار ثابتة، طبع البلاد بطابع خاص: «فقد استطاع المصريون، عقيب كل غزو دهمتهم به أمة أجنبية «كالهكسوس» وغيرهم أن يستردوا حريتهم المرة بعد المرة، وأن يقيموا على عرش بلادهم أسرا من الفراعنة، تحيي تقاليد الحكم والثقافة واللغة؛ تلك التقاليد التي نشأت وربت في مدى عصور لا تعيها الذكريات. ولكن هذه الغزوة، كانت آخر عهد ملوك الفراعنة، الذين تجري في عروقهم الدماء الوطنية بالحكم على ضفاف النيل، وإلى آخر الدهور؛ فمنذ فتح الإسكندر، خضعت مصر ألف سنة لحكام هلينيي الحضارة من مقدونيين ورومان، وفي نهايتها صارت مصر جزءا من جسم الإسلام، فبدلت تبديلا، وأصبحت لها لغة أخرى، ونظام اجتماعي لا عهد لها به، ودين جديد، ونبذ الآلهة الذين عبدوا في مصر على أنهم آلهتها الخواص الآلاف من السنين نبذا أبديا، ثم دفنوا في ثراها.»
Page inconnue
1
ولا شك في أن تغييرا كبير الأثر كهذا التغيير، إذا انتاب أمة من الأمم، طبعها بطابع جديد، ووجه سياستها الاجتماعية والدولية وجهة جديدة، وأخرجها من حال التجانس التي ألفتها في عهودها الأولى، بحيث يجعل لتاريخها في عصرها الجديد، من الجدة، ما يصح أن يتخذ درسا تسترشد به الأجيال. وكان هذا سببا في أن أبدأ رسائلي التاريخية بهذا العهد، دون ما سبقه من العهود.
ولسوف أعقب على هذه الرسالة برسائل أخرى: الأولى في «بطلميوس الأول: سوطر»، والثانية في «بطلميوس الثاني: فيلادلفوس»، ثم برسالة في «نظام الحكم والإدارة في عصر البطالمة». ثم أتناول بعد ذلك «أواسط عصر البطالمة»، وأختم البحث برسالة في «نهاية عصر البطالمة»، وربما أفردت «كليوبطرا» بكتاب خاص، فإذا فرغت من ذلك بدأت بتاريخ مصر في عهد الرومان؛ وهو عصر لا أعرف أن كتابا عربيا قد عني به من قبل.
ولعلي بذلك أكون قد مهدت طريق الدرس، لمن يريد الوقوف على طرف من تاريخ مصر الخالدة.
إسماعيل مظهر
هوامش
مصر في قيصرية الإسكندر المقدوني
332-323ق.م
في خريف سنة 332 قبل الميلاد، غزا مصر جيش من المقدونيين والإغريق، عدته أربعون ألف مقاتل، وكان «الإسكندر» ملك مقدونيا الحدث، على رأس ذلك الجيش يقوده، كما قاد قبل سنتين من ذلك التاريخ - وكان قائدا عاما لقوى الدويلات الهلينية
1 - (1)، جيشا هاجم به القيصرية الفارسية العظيمة.
Page inconnue
وقبل أن يصل مصر، هزم جيشا جمعه الولاة
2
الفارسيون على نهر «غرنيقس»
3 (2)، في آسيا الصغرى، وجيشا آخر في «إسوس»
4 (3)، على شاطئ سوريا، كان يقوده «دارا» (4)، العاهل الأعظم بنفسه. وإذ ذاك، تقلص ظل القوات الفارسية عن شواطئ البحر المتوسط الشرقية كلها، ما عدا مصر، وكان يحكمها «مزاكس»،
5
نائبا عن عاهل الفرس، أو بالأحرى نيابة عن «سباكس»
6
والي مصر، الذي تركها ليلحق بالملك «دارا»
7
Page inconnue
في «إسوس». وأضحى من المحتوم أن يبسط «الإسكندر » سلطانه على مصر، وربما تطلع إلى امتلاك «قورينة»
8 (5) أيضا؛ ليمعن نحو الغرب، قبل أن يتوغل في فجاج الشرق وممالكه؛ ذلك بأن أعداءه كانوا لا يزالون أقوياء في البحر، وليس له أسطول حربي يستطيع به مناجزتهم. فلم يكن له من خطة رشيد، تؤمن قاعدته الحربية، إلا أن يملك كل الثغور الحافة من حول بحر الروم، فيذر الأساطيل المعادية هائمة ضالة، لا تجد ملجأ للترميم أو التمون. ومذ ذاك، بدأ جيش اليونان، وبالأحرى الإغريق كما كان يدعوهم المصريون (6) يجوس خلال أرض الفراعنة القديمة.
ولم يكن الجند الإغريقي من المرائي الجديدة على المصريين؛ ففي عهد «هيرودوتس»
9 (7)، أي قبل العهد الذي نتكلم فيه بقرن كامل، كان المصريون ينظرون إلى الأغارقة نظرة احتقار، على أنهم أجانب أنجاس، ولكن حدث في مدى تلك الفترة، أن دارت المواقع الوطنية مع الفرس، فناصر ملوك مصر الوطنيين، قوات حربية أرسلت بها الدويلات الإغريقية؛ وحارب المصريون والإغريق متحدين، عدوهم المشترك.
وقبل أن يهبط الإسكندر مصر بعشر سنين، كان الفرس قد طردوا آخر ملوك الفراعنة، واسمه عند اليونان «نقطانيبو»
10 (8)، ووطدوا حكمهم على ضفاف النيل، فلما وفد جيش «الإسكندر»، متوجا بانتصاراته العجيبة، خيل إلى المصريين أن الإغريق - كما عهدوهم - الأصدقاء الأقوياء المنقذون، وكانت الحرب مع الفرس تدور سجالا، والمصريون واليونان لا يزالون الأحلاف الطبيعيين، ولم يدر بخلد المصريين إذ ذاك أن اليونانيين قد هبطوا مصر هذه المرة غزاة لا أحلافا، في حين أنهم ما يمموا شطر مصر إلا ليخضعوها ويحكموها حكما أحزم من حكم الفرس، وأطول مدى.
ولقد استطاع المصريون، عقيب كل غزو دهمتهم به أمة أجنبية «كالهكسوس»
11
وغيرهم (9)، أن يستردوا حريتهم المرة بعد المرة، وأن يقيموا على عرش بلادهم أسرا من الفراعنة، تحيي تقاليد الحكم والثقافة واللغة؛ تلك التقاليد التي نشأت وربت في مدى عصور لا تعيها الذكريات. ولكن هذه الغزوة، كانت آخر عهد ملوك الفراعنة، الذين تجري في عروقهم الدماء الوطنية بالحكم على ضفاف النيل، وإلى آخر الدهور؛ فمنذ فتح الإسكندر، خضعت مصر ألف سنة لحكام هليني الحضارة
12 (10)، من مقدونيين ورومان ؛ وفي نهايتها صارت مصر جزءا من جسم الإسلام، فبدلت تبديلا، وأصبحت لها لغة أخرى، ونظام اجتماعي لا عهد لها به، ودين جديد، ونبذ الآلهة الذين عبدوا في مصر على أنهم آلهتها الخواص الآلاف من السنين نبذا أبديا، ثم دفنوا في ثراها.
Page inconnue
ولم يشغل المصريون أنفسهم بتوقع شيء من هذا، فرحبوا بالإسكندر في سنة 332ق.م ترحيبهم بالمنقذ المحرر؛ لهذا سقط الحكم الفارسي في مصر من غير أن تدور موقعة واحدة. وكانت الحامية الفارسية من القوة بحيث استطاعت أن تقضي على جيش جمعه أفاق
13
إغريقي يدعى «أمنتاس»،
14
كان قد حارب في صفوف الجيش الفارسي في «إسوس»؛ وبعد أن انتهت تلك المواقع أغار على مصر بثمانية آلاف مقاتل. والغالب أن الوطنيين تألبوا عليه في النهاية، لكثرة ما أمعن نهبا وتخريبا. ولكن لم يفكر مصري واحد في منابذة جيش الإسكندر، حتى إن «مزاكس»، العامل الفارسي، قد أمر المدن المصرية مبتدئا بمدينة «فلوسيوم»
15 (11)، أن تفتح أبوابها للغازي الجديد، وبعد أن ترك الإسكندر حامية فيها، تقدم بجيشه على فرع النيل الشرقي، فبلغ «هليوبولس»
16 (12) أولا، ثم «ممفيس»
17 (13) ثانيا. ويقول «كيرتيوس»
18 (14): إن «مزاكس» سلم الإسكندر عندما هبط «ممفيس» ثمانمائة طالنطن،
19
Page inconnue
وكل نفائس القصر الملكي. ولأول مرة تربع مقدوني ملكا في قصر فرعون.
وتروي قصة - كتبت في مصر خلال القرن الثالث بعد الميلاد على الأرجح - أن الإسكندر قد احتفل بتتويجه في معبد «فتاح»
20 (15) بممفيس؛ فأقيمت له الشعائر التي كان يقيمها في مثل هذه المناسبات قدامى الفراعنة. ويعتقد مستر «مهفي»
21 (16) أن هذه الرواية جزء من تقليد قديم يتضمن حقيقة تاريخية لا شك فيها. ويحتمل أن تكون هذه الرواية صحيحة، ولكن ينبغي لنا أن نعي أن هذه القصة قد لفقت تلفيقا إرضاء لشعور المصريين القومي، وإظهارا للإسكندر بمظهر الوارث الصحيح لملوك مصر الأقدمين. فقد لفق كاتبها، أو هو حاول على الأقل أن يروج أسطورة أن الإسكندر هو في الحقيقة ابن «نقطانيبو»، الذي كان ساحرا، فانسلخ في صورة أفعوان؛ ليتمكن من مخالطة زوج الملك «فيلبس» (17) المقدوني.
22
ومن هنا يستدل على أن عبارته في تتويج الإسكندر بمدينة «ممفيس»، تلفيق رمى به إلى غرض، يشابه غرضه الأول (18).
عندنا بجانب هذا ما يثبت أن «الإسكندر» قد أبدى احتراما بينا لآلهة البلاد؛ وكان سلوكه على نقيض سلوك غزاة الفرس، الذي تحدوا الشعور القومي بذبح العجل «أبيس»
23 (19) المقدس. فإن الإسكندر عندما هبط «ممفيس» قرب للعجل المقدس قربانا، وضحى لغيره من الآلهة. ولا ننسى أن دين الفرس كدين العبرانيين، جعلهم ينظرون إلى عبدة الأوثان من الأمم الأخرى نظرة احتقار، بيد أن الإغريق، مهما كان اعتقادهم في تفوق ثقافتهم على ثقافة غيرهم من الأمم الهمجية، قد أخذوا بشعور عميق من الخشية والمهابة، إزاء تقاليد تبلغ من القدم مبلغ التقاليد المصرية، ولقد عودوا أن ينظروا إلى مصر نظرة أنها بلاد العجائب. وكانت أشعار «هوميروس»
24 (20) التي تلقح بها عقولهم منذ الطفولة، قد وصلت مصر بعصر البطولات البائد الموغل في القدم. فالإفراط في القدم والآثار المهيبة، بله عظمتها وضخامتها، والهياكل، ومظاهر العيش القديم واستمرارها، بله ما يحوطها من الغموض والإبهام والغرابة في كثير من مرائيها، ومنظر البلاد، وما توحي به الأرض التي يغذيها النيل المحجوب الأسرار من موحيات الفتنة، عامة ذا قد زود الفكرة في مصر بمجموعة فذة من الملابسات، ثبتت في عقلية الإغريق ... وها هم يجدون أنفسهم فوق تلك الأرض العجيبة أسيادا، يمرحون تحت أقبيتها،
25
Page inconnue
وفي ظلال نخيلها؛ وكان آباؤهم يظنون أنها أرض طروح، جمة الغرائب، كثيرة الأعاجيب.
غير أن «الإسكندر» - بالرغم من توسله بالقرابين لآلهة مصر - لم ينس أنه حامي حمى الثقافة الهلينية؛ فأقام في «ممفيس» ملعبا رياضيا، وأحيا حفلا موسيقيا على النمط الإغريقي، شهد مبارياته بعض من أشهر مشاهير الأغارقة، من الموسيقاريين والممثلين. ولكن لنا أن نتساءل: كيف اتفق أن يجد «الإسكندر» أولئك المفتنين في ذات الوقت الذي طلبهم فيه، وفي المكان الذي أعتده لإقامة الزينة، على بضعة أميال في مصر العليا؟
يقول «نييس»
26
إنهم لا بد من أن يكونوا قد ندبوا سلفا وفي زمن سابق، ويتخذ من وجودهم برهانا على أن «الإسكندر» كان قد اتفق «ومزاكس »
27 - الوالي الفارسي - على أنا يسلم زمام مصر إليه، من قبل أن يبدأ غزوته. أما «مهفي»،
28
فيظن أن وجودهم لم يكن إلا مصادفة؛ ويرجح أنهم ربما كانوا قد وفدوا - «ليحيوا فصلا تمثيليا في نقراطيس»
29 - (21) عند أصدقاء لهم من الأغارقة، فكانوا على أهبة تامة لما دعاهم «الإسكندر» إليه. على أن لنا أن نذهب مع التصور في تعليل هذا الأمر كل مذهب، من غير أن نطمع في أن نصل إلى معرفة حقيقته.
أما أبقى أعمال الإسكندر في مصر، وأعظمها شأنا، فتأسيس مدينة «الإسكندرية»؛ ففي صيف سنة 332ق.م فتح الإسكندر مدينة صور
Page inconnue
30 (22)، وهي أعظم الثغور التجارية في شرقي البحر المتوسط، وخربها. وقد يحتمل أن يكون «الإسكندر» قد رمى من وراء تخريبها إلى تأسيس ثغر جديد في مصر يكون بمثابة «صور المقدونية»، (23) فيحل في عالم التجارة محل تلك، أو يشرفها منزلة وقيمة.
31
فاختار منزلا يبعد أربعين ميلا عن «نقراطيس»، المستعمرة المصرية الإغريقية، ويتصل وداخلية البلاد بفرع «كنوبس» النيلي
32 (24). أما اختيار الموقع الذي شيدت عليه المدينة، فقط بعث المؤرخين أن يتساءلوا: لم اختيرت القرية المصرية الحقيرة «رقوطيس»
33
لتعمر وتصبح إحدى عواصم الدنيا؟
كان مصب «كنوبس» النيلي، قد اتخذ مرفأ لتفريغ المتاجر القليلة التي كانت ترد مصر عن طريق بحر الروم، الخاضع لأمم أجنبية. ومن بين المصبات النيلية الأخرى، كان المصب «الفلوسي»
34 (25) دون غيره صالحا للملاحة، ولكن لسفن لا تزيد عن سفن الصيد المعروفة حجما، ولا يعزب عنا أن مصب «كنوبس» كان يعتوره حاجز شديد الخطورة على الملاحة؛ فإذا أمكن للسفن التجارية أن تدخل مصب النيل لترسو، أمكن كذلك لسفن الأسطول الحربي المقدوني، أن تجد مرفأ أمينا ترسو فيه قطعه الكبيرة، وقد أصبح من واجبات ذلك الأسطول منذ غزو «الإسكندر» أن يحرس بحر الروم، غير أن دخول السفن مصاب النيل وخروجها منها، والحالات التي كانت تقوم في البر، وكلها غير مواتية، لا من ناحية الصحة، ولا من ناحية الأمن، قد أدت إلى الإحجام عن اتخاذها قواعد بحرية، ولكن عند «رقوطيس»، وعلى بضعة أميال غربا، وقع «الإسكندر » على مرتفع جاف من الحجر الكلسي، يعلو مستوى الدلتا، ويسهل تزويده بمياه صالحة للشرب وافية بحاجات الملاحة، تأتي بها من داخل البلاد قناة يغذيها «النيل». وألفى أن ذلك المرتفع لا يتأثر بالطمي الذي يأتي به فرع «كنوبس»، ويوجهه رأس «أبو قير» إلى البحر، ناهيك بأن هنالك جزيرة إذا وصلها بالبر حاجز خارجي أصبحت بمثابة مرافئ متصلة، تصد الرياح البحرية عن الميناء، مهما اشتد عصفها، وفي أي فصل عصفت. وكان هذا المنزل الموقع الأوحد، الذي يمكن أن يشاد من فوقه ميناء صحي سهل الاتصال بالبحر، تركن إليه الأساطيل المقدونية، وعلى الأخص قطعها الحربية، وكان تفريغ حمولتها، وغاطسها المائي، قد أخذا يزيدان معا في ذلك الوقت.
35
وذكر «إسترابون»
Page inconnue
36 (26) أن ذلك المرتفع كان يشغله، عندما وقع عليه «الإسكندر»، قرية من قرى الصيد. قال:
لما كان ملوك مصر الأولون قد قنعوا بما تغل لهم الأرض، فلم يطمعوا يوما في الواردات الخارجية؛ وحملتهم هذه القناعة على أن ينظروا إلى الأجانب نظرة العداء، وعلى الأخص إلى الإغريق؛ إذ كانوا يعتقدون أنهم طلاب سلب، وبهم طمع في استعمار البلاد الأخرى لضآلة ما بين أيديهم، وقلة ما عندهم من خيرات، أقاموا في تلك البقعة نقطة عسكرية، تصد غارات المعتدين، وأسكنوا الجند مكانا يدعى «رقوطيس» (راقودة) هو الآن من الإسكندرية، ذلك الجزء الذي يشرف على أرصفة الميناء؛ ولم يكن إذ ذاك إلا قرية صغيرة. وعهدوا بالبقاع المحيطة بذلك المكان إلى رعاة، كانوا بدورهم ذوي قدرة على صد هجمات الأجانب.
وكان هؤلاء الرعاة بطنا من البطون، عرفوا بقوة الشكيمة والوحشية؛ بل كانوا قطاع طرق، وسفاحي دماء، إذا جارينا «إليوذورس»
37 (27).
تجاه الموقع الذي اختاره «الإسكندر»، وعلى ميل من الشاطئ، كانت الجزيرة التي دعاها الإغريق جزيرة «فاروس»
38 (28)، وطولها ثلاثة أميال، وكانت في زمن غابر سلسلة من الجزائر بعضها منفصل عن بعض، وذكرها «هوميروس»
39
فقال: إنها مكان تألفه الحيتان، وتستلقي على شطآنه، وأن فيها مرفأ حسنا، بل قيل إنه في الوقت الذي جاء فيه «الإسكندر» ليفحص عن الشاطئ، كانت «فاروس» مأوى لصيادين من الأهالي، وأن «الإسكندر » وأخلافه من البطالمة أول من جدد في ذلك المنزل ميناء عالميا للتجارة.
ولكن حدث منذ عهد قريب أن زود مسيو «جاستون جونديه»
40 - كبير مهندسي المواني والفنارات في مصر - مباحث التاريخ بمبحث جديد، أشكل على المؤرخين أمره؛ فقد استكشف تحت سطح الماء، وفي مواقع قد تبعد بعض الأحيان ربع ميل عن المكان الذي عرف أن جزيرة «فاروس» كانت تشغله، بقايا عظيمة هائلة الضخامة من أبنية مرفئية، وحواجز لصد الأمواج، وأرصفة مما يبنى في المواني البحرية. ولا يزال أمرها رهن البحث: أهي جزء من إسكندرية الإغريق، أم هي من أعمال عصر من العصور الغابرة، خربت وتساقطت بقاياها من قبل أن يهبط الإسكندر تلك البقعة بأزمان طويلة؟
Page inconnue
ينزع مسيو «جونديه» إلى الظن بأن الميناء المغمور بناها «رمسيس الأكبر»
41 (29)؛ ليتخذها قاعدة يدفع بها غزوات الدول البحرية - «فإن كتل المواد التي استعملت في البناء ضخمة هائلة، شأن الكتل التي استخدمت في كل الأبنية الفرعونية. ولا ريب في أن نقلها إلى ذلك المكان، وبناءها حيث هي، كان عملا أشق من ترصيص تلك الأحجار الضخام، التي يتألف منها الهرم الأكبر.»
42
وعقب عليه باحث فرنسي آخر، هو مسيو «ريمون ويل»،
43
فقال إن هذه الأبنية، بقايا أعقبتها دولة إقريطش البحرية.
44 (30) التي نشأت في الألف الثانية قبل الميلاد، وامتلكت في زمن ما، على قدر ما يحدس، تلك البقعة من الشاطئ المصري.
45
ولكن الظاهر من الأمر أننا نكون أقرب إلى الرشد إذا تمهلنا في الحكم حتى تمتحن تلك الآثار، وتبحث بحثا أوفى. وعلى أية حال، فإن هبوط تلك الأبنية تحت سطح البحر، إنما يرجع إلى انخفاض الأرض في تلك البقعة فجاءة، إما باضطراب زلزالي، وإما بانخفاض عادي حدث في وقت ما، فتناول مستوى الأرض (31).
ولقد حدث منذ العصر الإغريقي الروماني انخفاض في أرض الإسكندرية، بلغ سبعة أقدام ونصف في المتوسط، فيغلب أن تكون بقايا المدينة التي شيدها «الإسكندر» والبطالمة من بعده، مغمورة الآن تحت سطح الماء؛
Page inconnue
46
مما جعل مهمة التنقيب الأثري عن تخطيط الإسكندرية القديمة أكثر صعوبة.
من المعروف أن «الإسكندر » قد أنشأ مدينته على نمط الزوايا القائمة المستقيمة، الذي كان طابع ذلك العصر في تخطيط المدن الحديثة، وهو نمط ابتكره «هفوذامس»
47
المليطي (32) قبل ذلك العصر بقرن كامل. ويستدل من القصة
48
أن الإسكندر استخدم مهندسا من أهل جزيرة «رودس» يدعى ذينقراطس»
49 (33)، فكانت المدينة كلها خططها مستطيلا يمتد على طول البقعة الواقعة بين بحيرة «مريوطس»
50 (مريوط) (34) والبحر، وكان المهرجان بوضع أساس المدينة يقام فيما بعد في يوم 25 من شهر «طوبى»
51 (35)، ولذا يحتمل أن يكون قد أقيم في يوم 21 من يناير سنة 331ق.م.
Page inconnue
وتروي أسطورة أن المهندسين خططوا المدينة ليشرف عليها «الإسكندر» بدقيق أخذ من مخصصات الجند، وأنهم تفاءلوا بما سوف يكون للمدينة من عظمة في المستقل، مستبشرين بما حدث عند شروعهم في وضع الدقيق من فوق الأرض. ولهذه الأسطورة روايتان، تخالف إحداهما الأخرى، بل تناقضها
52 (36).
لا بد من أن يكون أول من سكن الإسكندرية، خليط من المقدونيين والأغارقة، ولا علم لنا بالطريقة التي اتبعها «الإسكندر» في جلب الأسر التي كونت النواة الأولى من سكان المدينة. وبعد فترة من الزمان، كان الوطنيون يؤلفون العديد الأكبر من مجموع السكان، ولكنهم لم يتمتعوا بالحقوق المدنية، التي كانت من حق غيرهم. وفي رواية سوف نعود إليها بعد، أن عددا كبيرا من المصريين الذين كانوا يسكنون «كنوبس»، قد أرغموا على الهجرة إلى المدينة الجديدة. وبالرغم من أن عدد العنصر اليهودي في المدينة أصبح كبيرا بعد قليل من الأجيال، فإن من المشكوك فيه أن تكون العبارات التي أوردها المؤرخ «يوسيفوس»
53 (37) عن «الإسكندر»، وتشجيعه اليهود خاصة على سكنى المدينة، بمنحهم حقوقها المدنية، صحيحة؛ فليس ثمة من سبب يحمل «الإسكندر» على العناية بأمر اليهود؛ فإنهم لم يكونوا قد أصبحوا - في ذلك الوقت - ذلك الشعب المتفوق في التجارة والمالية. فإن «يوسيفوس» قد قال عن أمته في القرن الأول بعد الميلاد: «لسنا أمة تجارية.» •••
أما الحادثة الثانية التي تلي تأسيس «الإسكندرية» مكانة وخطرا، والتي وقعت للإسكندر خلال إقامته الشتوية بمصر، فزيارته لمعبد «أمون»،
54
كما يدعو الأغارقة الإله «آمن »
55 (38) في الواحة التي تدعى الآن واحة «سيوة».
56
وأول ما يصادفنا من المشكلات التي تحوم حول هذه الزيارة البحث في السبب الذي جعل «الإسكندر» يختار السفر مجتازا الصحراء إلى - «المعبد المنفرد الذي يظلله نخيل سيوة» - على مسيرة خمسة عشر يوما على الأقل، أو عشرين يوما على الأكثر من وادي النيل، في حين أن في الوادي عددا من معابد «آمن» المعروفة بضخامتها وقدمها (39).
Page inconnue
من الأسباب التي يعلل بها ذلك أن «هاتف»
57 «آمن» كان له في تلك الواحة - منذ أزمان - منزلة كبيرة، واحترام خاص في العالم الإغريقي. ولقد استهداه «إكروسس»
58 (40) كما استهدى غيره من الهواتف الإغريقية العليا في القرن السادس قبل الميلاد، وألف الشاعر «فنداروس»
59 (41) نشيدا لأمون. ويروى عن كثير من الإغريق، منهم: «إلياويون»
60 (42)، و«إسبرطيون»
61 (43)، «وأثينيون»
62 (44) أنهم أرسلوا سفراءهم إلى المعبد الأقدس؛ ليستهدوا الهاتف في أيام قبل عصر «الإسكندر». وتكلم «أوريفيذس»
63 (45) عن منزل «أمون» «الذي لا يأخذه المطر»، كما لو كان منزلا معروفا عند الإغريق، مشهورا بينهم بأنه المكان الذي يؤمه كل الذين يشعرون بالحاجة إلى النصح القدسي، والهداية العلوية.
تروي الأساطير الإغريقية أن «فرساوس»
64 (46) و«هيرقليس»
Page inconnue
65 (47)، ذهبا ليستنصحا أمون قبل أن يقدما على مخاطراتهما. ويقول: «قلثنيس»
66 (48) الذي أصبح بعد تلك الفترة من خواص الإسكندر وملازميه، إن ذكرى هذين البطلين، كانت إحدى الأسباب القوية التي حملت «الإسكندر» على أن يقدم على هذه الرحلة.
67
وإنه لامتهان لتقدير رجل عملي في العصر الحديث أن ينسب إليه التأثر بمثل هذا السبب، ولكن ذلك كان موائما جد المواءمة لمزاح «الإسكندر». ولا شك في أننا إزاء مشكل تاريخي، غير أنه لا يرجع إلى السبب الذي حمل «الإسكندر» على أن يستهدى الإله الكبشي الرأس وبالذات، ولكن في السبب الذي من أجله أصبح هذا المعبد الأقدس - على بعده عن العالم المعمور، وصعوبة الوصول إليه - قبلة يحجها الأغارقة؟
وغير خفي أن ما كان «لأمون» من جلالة في العالم الإغريقي، إنما يرجع إلى نشوء مستعمرة «قورينة»
68
الإغريقية على الشاطئ الإفريقي، فبالرغم من اتصال «قورينة» اتصالا تجاريا دائما بغيرها من الدويلات الإغريقية ، القائمة على شطآن البحر المتوسط، كانت تسير من «قورينة» سفن تحاذي الشاطئ الإفريقي، فتصل بسهولة ثغر «فرطنيوم»
69 (49) على ثلاثمائة وأربعين وخمسة أميال شرقا. ومنه يسهل على القوافل الصحروية أن تبدأ رحلاتها من الشاطئ، موغلة في الصحراء إلى سيوة، فتصلها في سبعة أيام على ظهر الإبل.
ويظهر من هذا أن القورينيين» كانوا حلقة الوصل بين معبد أمون الأقدس، والعالم الإغريقي، وكان الطريق الذي يبدأ من ثغر «فرطنيوم» هو الطريق الذي يسلكه الأغارقة إذا أرادوا الوصول إلى المعبد. ومما ينبغي أن نفطن إليه، أن «هيرودوتس» استقى معلوماته عن سيوة من «القورينيين» هنالك.
70
Page inconnue
وهذا يبين عن مسألة تاريخية أخرى، إذا تساءلنا: لماذا أم الإسكندر «فرطنيوم» لما أراد الذهاب إلى سيوة، ولم يخترق الصحراء مجتازا وادي النطرون، وهو الطريق الأقرب لمن يخرج من مصر إلى سيوة رأسا، كما يقول «مهفي»؟
71
ينزع «هوجرث»
72
إلى القول بأن الإسكندر إنما هبط «فرطنيوم» زاحفا من مصر ليمتلك «قورينة»؛ فلما وفد إليه رسل تلك المدينة، ومعهم بضع مئات من فحول الخيل الكريمة هدية وعنوانا على خضوع مدينتهم وولائها له، عدل عن الزحف إليها، وضرب بحملته في مجاهل الصحراء، ليزور معبد «أمون».
غير أن الحملة الحربية على «قورينة» لم ينوه بها مؤرخ من ثقات الأقدمين، والرسل الذين وفدوا إلى «الإسكندر» من أهل «قورينة» لم يذكرهم «أريان»،
73
وربما كان ذكرهم راجعا إلى ما كتب «إقليطرخوس»،
74
الذي استمد منه كل من «ديوذورس»
Page inconnue
75 (50)، و«كيرتيوس»
76
أكثر ما كتبا؛ وهو مصدر غير موثوق به. ولقد وثق «مهفي» بعباراته، حتى إنه اعتقد أن رسل «قورينة» قابلوا «الإسكندر» بالفعل، وأنهم مثلوا بين يديه، غير أنه يحدس أن هديتهم لم تكن خيلا، وإنما كانت بضعة رجال من العارفين بمسالك الطرق إلى سيوة (51).
وتروي كل الكتب القديمة أن زحف «الإسكندر» إلى سيوة عن طريق الصحراء، قد صحبته عدة حوادث إعجازية؛ فقد هطلت على غير انتظار أمطار غزيرة، أنقذت زحف «الإسكندر» من آلام العطش الشديد، وتقدم الركب غرابان كانا يطيران هنيهة ثم يحطان؛ ليبينا عن الطريق الذي تحجبه الرمال السافية، وكان يتقدمه أفعوانان مرسلان صوتا خاصا. ولا شك في أن هذه الروايات إنما رواها رجال رافقوا الإسكندر إلى الشرق (52).
أما أكثر هذه الروايات بعثا على الحيرة، فرواية الأفعوانين، وقد رواها «بطلميوس» بن لاجوس
77 (53)، وهو إن لم يكن قد رافق حملة «الإسكندر» بالفعل - وليس لدينا ما يثبت أو ينفي أنه رافقهما - فلا بد من أن يكون قد صاحب الذين رافقوها سنين عديدة. على أن تعليل هذه الروايات تعليلا معقولا سهل هين؛ فنزول المطر لا يزال إلى الآن من الظاهرات النادرة في تلك الأنحاء، وليس من المستحيل أن يصادف المسافر غربانا وأفاعي في عرض الصحراء، وإن ركبا حافلا يسير في وحشة البيداء لا بد من أن يثير الحيوانات التي تكون هنالك، ومن الطبيعي أن تفر إلى الجهة التي يتقدم نحوها الزحف.
78
وقد نحصل على صورة، ربما كانت قريبة أو بعيدة بعض الشيء عن حقيقة الحالة التي كانت عليها واحة «هاتف أمون» في ذلك العصر، إذا وعينا ما انحدر إلينا من روايات القدماء، وأكثرها استفاضة رواية «ديوذورس»،
79
وقسناها على الحقائق التي نعرفها عن سيوة في عصرنا هذا.
Page inconnue
80
فإن هنالك قريتين: الأولى «قرية سيوة»، والثانية «قرية أغورمي»، وتبعد إحداهما عن الأخرى ميلين؛ وتقوم كل منهما على صخرة، مشرفتين على ما يحيط بهما من غياض النخيل، ومزارع الزيتون. وفي «أغورمي»
81
بقايا هيكل أمون، وعند إبط الصخرة التي تستوي من فوقها القرية، بقايا معبد آخر أصغر من الأول، يدعوه الأهلون اليوم «أم عبيدا»،
82
ويقال إن هذه البقايا إنما تدل على أن المعبدين قد جدد بناؤهما في خلال الحكم الفارسي.
أما معبد «آمن»، فإن المشاهد يستبين فيه حتى اليوم، وعلى مقربة من «نبع الشمس»
83
آثار جدار لبناته حجارة مربوعة، تسيج حظيرة طولها خمسة وعشرون يردا،
84
Page inconnue
وعرضها ثمان وأربعون. أما الهيكل نفسه، فيحتوي على عدد من الأفنية والقاعات، بعضها يقوم على عمد، وبعضها لا عمد له، والكل في خراب شامل. وفي نهاية المربع الرئيسي يقع المحراب الأقدس، أما الحجرتان اللتان كانتا تسلمان إليه فقد بادت معالمهما، حتى ليصعب أن تعين مواقع الأبواب التي كانت تؤدى إليهما. أما المحراب والجزء الأمامي منه، فقد بقي منهما حتى الآن أجزاء كبيرة.
وكان المحراب حجرة يبلغ طولها ثلاثين قدما، وعرضها يتراوح بين عشرة أقدام وثلاثة عشر قدما، تحيط بها من الداخل كتل من الصخر هائلة الضخامة، ولا يزال عدد منها باقيا في مكانه، وقد نقش عليها ثلاثة سطور من الكتابات والصور على ما يظهر ... وهنالك كان يعيش آمن، مجللا بالظلام، وزورقه المقدس مستو على مذبح، أو بالأحرى على مكعب من الصخر أو الخشب، قائم في وسط المحراب.
ووصف قدامى المؤرخين الزورق فقالوا: «إنه من الذهب»؛ والمقصود بهذا أنه كان من الخشب، الموشى بصفائح من الذهب. ولا شك في أن طوله كان أقل من طول المحراب، بمقدار سبعة أو ثمانية أقدام. وقد يتخيل الإنسان صورة منه إذا نظر في النقوش البارزة التي في الأقصر والكرنك، والتي تظهر فيها زوارق «آمن» الطيبي نحيلة عالية، وقد ازدانت مقاديمها ومآخيرها برأس الكبش، وملاحوها من الآلهة، وبضاعتها من القرابين، ونواويسها نصف مغطاة ببراقع بيضاء، والوثن محوي في داخل جدرانها الرقيقة.
وعن «قلثنيس» أن الوثن كان كتلة من الزمرد والأحجار الكريمة. ولنا أن نتصوره على مثال وثن من تلكم الأوثان المرصعة، التي كانت في «دندرة»
85
مثلا، وذكر أن ظاهرها يتألف من مواد مختلفة، ترصع من فوق هيكل مصنوع من الخشب أو البرنز. ولم يكن الزمرد الذي ذكره المؤرخون عين الزمرد الذي نعرفه، بل كان من الأحجار التي أطلق عليها المصريين اسم «مفقاط»،
86
وعلى الأخص الفلسبار
87
الأخضر، أو حجر الزمرد،
Page inconnue
88
وكان استعماله شائعا في خلال «العصر الصاوي»
89 (54).
وكان الوثن كغيره من أوثان التنبؤ، مجبولا بحيث يحدث عددا من الإشارات، فيحرك رأسه، أو ينوح بذراعيه، أو يشير بيديه. وكان يعهد إلى كاهن أن يشد الحبل الذي يحرك الوثن، ثم ينطق بالنبوءة، وكان الكل يعرفونه معرفة تامة، ولكن لم يدر في خلد أحد أن يتهمه بالغش، أو يرميه بالخداع؛ ذلك بأنه الأداة التي يستخدمها الآله، وبالأحرى آلة مسيرة، وكان الروح يلبسه في برهة خاصة ، فيحرك الوثن، كما يحرك شفتي الكاهن بما يريد أن يقول، فالكاهن يعير يديه وصوته، ولكن الإله هو الذي يقدر أعماله، ويوحي إليه بما يتفوه به من كلمات.
90
أما حضور الإسكندر إلى الهيكل (وما حدث فيه)، فيصفه «قلثنيس» بما يأتي: «لم يؤذن لغير الملك بالدخول إلى المعبد في ثيابه العادية؛ أما بطانته فأمروا بتبديل ثيابهم، ووقف الجميع في الخارج يستمعون الوحي، ما عدا «الإسكندر» فإنه دخل المحراب، ولم تكن النبوءات تعلن بالكلام، كما هي الحال في «دلفي»
91 (55) «وبرنخيدا»
92 (56)، ولكن بالرموز والإشارات غالبا؛ لأن المنبئ انتحل في هذا عادة «زيوس»،
93
أي «آمن». أما الذي قيل للملك فهو أنه «ابن زيوس».
Page inconnue