L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
ثم لم تمض أيام قلائل حتى عاد «مسيت» يكتب في 24 أبريل: «إن خورشيد يجد نفسه في صعوبات كثيرة بسبب حاجته إلى المال؛ ليدفع منه مرتبات الجند، ولاضطراره إلى اللجوء لإجراءات صارمة لجمعه، الأمر الذي جعله غير محبوب من الشعب، وأما محمد علي فقد أخذ لنفسه كل سلطة، ولو أنه ينكر دائما تحمل أية مسئولية.»
وزاد من حروجة مركز خورشيد أن البكوات منذ طردهم من القاهرة، قد عاثوا فسادا في البلاد، ينهبون ويخربون، ويفر الفلاحون من وجوههم بسبب عسفهم وظلمهم، حتى باتت قرى بأكملها خاوية ومقفرة من أهلها، وحتى صارت القاهرة مهددة بالمجاعة بسبب انتهاز العربان فرصة عجز الحكومة، فاتحدوا مع المماليك في نهب القرى، ثم صاروا يستولون على السفن المحملة بالمؤن المجلوبة إلى القاهرة من الصعيد أو من الوجه البحري. وسادت الاضطرابات في القاهرة بسبب اعتداءات الأرنئود على سكانها من وطنيين وأجانب على السواء، وعلى نحو ما كانوا يفعلونه قبل طرد حكومة البكوات من القاهرة.
ومع أن خورشيد كان يسعى جهده لتأمين الأجانب على سلامتهم ومنع الإهانات عنهم، ويدرك أن من صالحه قيام العلاقات الطيبة بين حكومته وبين الدول الأوروبية، إلا أنه كما قال «ماثيو لسبس» في 25 أبريل «لم يكن سيد نفسه، أو في وسعه أن يفعل ما يريد، بل تحتم عليه أن يخضع دائما لنزوات الأرنئود»، كما أن «خورشيد» بسبب حاجته إلى المال لدفع مرتبات هؤلاء؛ صار يفرض شتى المغارم على الأوروبيين ومحميي الدول بالقاهرة، وأخذ الجنود على عاتقهم ابتزاز المال من هؤلاء بشتى الوسائل، فحدث في أبريل أن ذهب حوالي خمسين منهم إلى بيت «روشتي» يطالبونه بدفع مبالغ كبيرة، وحبس جماعة آخرون من الأرنئود اثنين من أتباع «ماثيو لسبس» نفسه، واحتج الوكيل الفرنسي احتجاجا شديدا في 22 أبريل واضطر خورشيد إلى عمل كل ترضية لازمة له وتعهد له في 4 مايو باحترام أملاك الفرنسيين وبتأمين سلامتهم حسب الامتيازات الإمبراطورية.
وكان الأهلون هم الذين وقع على كاهلهم عبء أكثر هذه المغارم التي لجأ إليها خورشيد لدفع مرتبات الجند، وبخاصة عندما رفض هؤلاء السير ضد المماليك، وصار يتحتم عليه اللجوء إلى فرضها كلما تجددت مطالبتهم بعد ذلك وفي أثناء القتال ضد البكوات، فقد «طلب في 2 أبريل مال الميري عن السنة المقبلة لضرورة النفقة» وتحصيل ذلك من جميع المديريات، فشكا الملتزمون والفلاحون، وتدخل بعض الوجاقلية والمشايخ «فانحط الأمر بعد ذلك على طلب نصف مال الميري عن سنة تسع عشرة؛ أي السنة المقبلة، وبواقي سنة سبع عشرة وثمان عشرة، وكذلك باقي الحلوان الذي تأخر على المفلسين، وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا: من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد»، وفي أوائل مايو «طلبوا جملة أكياس لنفقة العسكر فوزعوا جملة أكياس على الأقباط والسيد أحمد المحروقي وتجار البهار ومياسير التجار الملتزمين، وطلبوا أيضا مال الجهات والتحرير وباقي مسميات المظالم عن سنة تاريخه معجلة.»
وفي 21 مايو طلب كتخدا الباشا؛ أي وكيل أحمد خورشيد سلفة من جماعة من الوجاقلية وطلبوا مبالغ من جماعة أخرى من الأعيان «وعملوا على الأقباط ألف كيس وحلف «أحمد خورشيد» أنها لا تنقص عن ذلك، وفردوا على البنادر مثل دمياط ورشيد وفوة ودمنهور والمنصورة وخلافها مبالغ: أكياس، ما بين ثمانين كيسا ومائة كيس وخمسين كيسا وغير ذلك لنفقة العسكر»، فبلغ من سخط الأهلين أنهم صاروا يذيعون خبر تعيين أحمد الجزار لباشوية مصر؛ نكاية في خورشيد ثم اشتد السخط عليه عندما أراد أن يحمل المماليك جزءا من النفقات مساهمة منهم - كما قال - في نفقات الحرب التي شنوها هم بأنفسهم عليه، فصار يفتش عن أنصارهم السريين في القاهرة ويفرض عليهم الإتاوات الفادحة، وصار يأخذ نساء المماليك اللواتي بقين بالقاهرة «رهائن» لديه حتى يدفع أزواجهن هذه الإتاوات، ثم انتهى به الأمر في 22 مايو بأن استقدم إلى القلعة الست نفيسة أرملة مراد بك بتهمة أنها تسعى لاستمالة رؤساء الأرنئود لتأييد المماليك نظير أن «تلتزم بالمكسور من جامكية العسكر»؛ أي أن تدفع لهم مرتباتهم المتأخرة، وبعث بها للإقامة ببيت أحد المشايخ «الشيخ السحيمي» بجوار القلعة كرهينة، «فتكدرت خواطر الناس لذلك»، واحتج القاضي ونقيب الأشراف السيد عمر مكرم والمشايخ: السادات والأمير والمهدي والفيومي، ونفت السيدة التهمة التي ألصقت بها، وعندما أصر خورشيد على استبقائها بدعوى «أنها تعمل لإفساد جنده لخدمة مصالح أعدائه وتجرؤ على وعدهم بزيادة مرتباتهم، وأنها يجب لذلك أن تفي بوعدها»؛ هدد الشيخ الأمير بأن هذا أمر غير مناسب وتترتب عليه مفاسد، وبعد ذلك يتوجه اللوم إلى المشايخ فإن كان كذلك فلا علاقة للمشايخ بشيء مما قد يحدث من جانب الأهالي المتذمرين بسبب هذا الحادث، وعندئذ وافق خورشيد على أن تقيم بمنزل الشيخ السادات.
وكانت عديلة هانم ابنة إبراهيم بك قد ذهبت للإقامة عند الشيخ السادات منذ أن علمت بما حصل للست نفيسة، وفي 25 مايو عاد خورشيد يطلب دفع مال الميري «سنة تاريخه المعجلة بالكامل، وكانوا قبل ذلك طلبوا نصفها، وعملوا قوائم بتوزيع خمسة آلاف كيس استقر منها على طائفة القبطة خمسمائة كيس بعد الألف، وجملة على الملتزمين خلاف ما أخذ منهم قبل ذلك، وعلى الست نفيسة وبقية نساء الأمراء ثمانمائة كيس»، وفي 27 مايو فرض خورشيد على «أرباب الحرف والصنائع» خمسمائة كيس، فضج الناس، وأغلقت الحوانيت وقصدت الجماهير إلى الأزهر، وفي 29 مايو «اجتمع الكثير من غوغاء العامة والأطفال بالجامع الأزهر ومعهم طبول وصعدوا إلى المنارات يصرخون ويطلبون وتحلقوا بمقصورة الجامع يدعون ويتضرعون ويقولون يا لطيف وأغلقوا الأسواق والدكاكين»، فطلب خورشيد السيد عمر مكرم؛ يوسطه في إعادة الهدوء لقاء رفع هذه الغرامة عن الفقراء، واحتج عمر مكرم بأن «كل أرباب الحرف والصنائع فقراء» ويشكون من الكساد ووقف الحال، وأنه لا علاقة لهم «بمغارم الجوامق للعسكر»، ولما أصر أصحاب الحوانيت على غلق حوانيتهم واستمر هياج الخواطر في القاهرة لم ير خورشيد بدا من رفع هذه الغرامة.
ثم تنوعت أساليب خورشيد لابتزاز المال بكل وسيلة، فكان من هذه الحيل والأساليب أنه دعا في 29 يونيو المشايخ والوجاقلية إلى «الديوان الكبير المعروف بديوان الغوري» لقراءة فرمان تقليده الولاية، وفرمانين آخرين كان أحدهما أكثر كلاما من الآخر تضمن مدحا لحكومته وقدحا في البكوات «لعودهم إلى البغي والفجور» وغدرهم بعلي باشا الجزائرلي بعد أن صفح الباب العالي عنهم، وعرض لذكر طرد الأرنئود لهم من القاهرة، وعفو السلطان لذلك عن هؤلاء الأخيرين وصفحه عن أخطائهم السابقة، كما صار الباب العالي يأمر الأرنئود «بأن يلازموا الطاعة ويكونوا مع أحمد باشا خورشيد بالحفظ والصيانة والرعاية لكافة الرعية والعلماء ... ونحو ذلك من الكلام المحفوظ المعتاد المنمق» ثم خلع خورشيد باشا على الحاضرين الكساوي، على أن خورشيد أحضر في ذلك الوقت أيضا «المعلم جرجس وكبار الكتبة وعدتهم اثنان وعشرون قبطيا، ولم تجر عادة بإحضارهم فخلع عليهم أيضا»، ولكن ما إن انقضى هذا الحفل حتى «طلبهم الباشا إلى القلعة فحبسهم تلك الليلة واستمروا في الترسيم وطلب منهم ألف كيس» يدفعونها كسلفة وفي نظير ما نالهم من شرف الاستماع إلى الفرمانات التي قرئت عليهم.
وكان الغرض المباشر من جمع هذه الإتاوات والغرامات والسلف التي أثارت سخط الأهالي والمشايخ وأعيان القاهريين على خورشيد دفع مرتبات الأرنئود لحملهم على الخروج لقتال المماليك ومواصلته معهم؛ لأن محاربة المماليك كانت أولى المسائل الرئيسية التي عني بها خورشيد للأسباب التي سبق ذكرها، وقد استمر فرض الإتاوات والغرامات على الوطنيين والأجانب طوال المدة التي ظل المماليك يحاصرون في أثنائها القاهرة؛ أي منذ طردهم من القاهرة في مارس 1804 إلى وقت فيضان النيل في شهر أغسطس من العام نفسه، واضطرارهم بسبب الفيضان للانسحاب إلى الصعيد.
وواجهت خورشيد في أثناء نضاله مع المماليك صعوبات عديدة أهمها امتناع الأرنئود في أول الأمر عن الخروج لقتالهم قبل أن تدفع لهم مرتباتهم، واستمرارهم على المطالبة بهذه المرتبات أثناء القتال، ثم انقسام الأرنئود على أنفسهم، حتى بات يخشى منذ أوائل أبريل - ولما تبدأ العمليات العسكرية الجدية بعد ضد المماليك - أن ينضم فريق منهم إلى البكوات، بل حدث في أول يوليو أن انضم إليهم فعلا جماعة منهم حوالي 150 شخصا برئاسة إدريس أغا أحد كبار الأرنئود، كما انضم إليهم بعد أيام قلائل جماعة أخرى «من كبار العسكر بأتباعهم ومنهم من ذهب إلى قبلي ومنهم من ذهب إلى بحري».
أضف إلى ذلك أن القاهرة ذاتها عندما بدأت العمليات العسكرية كانت مسرحا للانقسامات والفتن والاضطرابات، يرابط المماليك دائما حولها، وقد أقام هؤلاء معسكرهم في سفح أهرام الجيزة، وعلى مرمى طلقة مدفع من المدينة، وعلاوة على ذلك فقد كان البرديسي أيضا بجهة البساتين منذ خروجه مطرودا من القاهرة في مارس، بينما غادر الألفي مخبأه في الشرقية بمجرد أن علم بما وقع للبكوات، وربض هو الآخر في مكان على الضفة اليمنى للنهر على مسافة يومين من القاهرة، وانتشر المماليك في سهول سقارة وفي جهة إمبابة، وقد تقدم كيف سبب تضييقهم الحصار على القاهرة نشر المجاعة بها.
Page inconnue