L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
خامسا: سوء الحكم والإدارة
فقد عجز البكوات منذ أن دانت لهم السلطة في القاهرة عقب مقتل طاهر باشا عن إقامة الحكومة القوية التي تستطيع إعادة الهدوء والسكينة إلى العاصمة، وتعمل على استقرار الأوضاع بها، وقد عرضنا في أثناء هذه الدراسة بعض أسباب هذا العجز، ومنها تقدم السن بإبراهيم بك لدرجة أفقدته القدرة على كبح جماح سائر البكوات، أمثال حسين الزنطاوي والألفي الصغي، الذين اشتطوا في إساءة معاملة الأهلين وابتزاز الأموال منهم، بينما شغل البرديسي بمطاردة خسرو باشا أولا ثم مناجزة علي الجزائرلي وأخيرا مطاردة الألفي، ومنها خلو الخزينة من المال بسبب الفتن الأخيرة المنتشرة في طول البلاد وعرضها والتي نجم عنها كساد التجارة وتعطيل الزراعة، فنضب معين الإيرادات العامة، كما زاد الحال سوءا نقص النيل نقصا فاحشا (سبتمبر 1803) وتهديد القاهرة بالمجاعة.
ثم ما جرى عليه البكوات والكشاف والمماليك من الاستيلاء على الغلال والحبوب وتخزينها؛ لبيعها بأثمان مرتفعة للأهلين، فعم الاضطراب القاهرة، ثم زاد من حدته انتشار الجند الأرنئود حلفاء البكوات يعتدون على القاهريين ويؤذونهم في أرواحهم وأموالهم، وعجز البكوات عن كبح جماح الأرنئود لأنهم لم يستطيعوا دفع مرتباتهم لهم، ولأنهم كانوا في حاجة مستمرة لتحالفهم معهم.
ولم يشأ البكوات - على نحو ما أوضحنا سابقا - أن يتحملوا هم نفقات هؤلاء الأجناد من جيوشهم، أو على الأقل شطرا منها، بل استأثروا لأنفسهم - على النقيض من ذلك - بكل ما وصلت إليه أيديهم من المغارم التي حصلوها أو الأموال التي صادروها في دمياط ورشيد وسائر البلدان والقرى في الوجه البحري، خصوصا في أثناء عملياتهم العسكرية ضد خسرو وعلي الجزائرلي، واعتمدوا لذلك على ما قد يستطيعون الحصول عليه من المغارم والإتاوات التي صاروا يفرضونها على الأهلين وسكان القاهرة من وطنيين وأجانب.
ويذكر الشيخ الجبرتي كما يذكر الوكلاء الإنجليز في القاهرة الشيء الكثير من هذه المظالم التي زادت من حروجة الحال في القاهرة والأقاليم على السواء، وانتهى بها الأمر بتحريك الأهلين على الثورة ضد البكوات، وأعطت «محمد علي» الفرصة لتدبير طردهم من العاصمة وإنهاء سلطانهم بها، فذكر الشيخ الجبرتي في حوادث «شهر ربيع الأول 1218ه/13 يوليو 1803م» أن جوخدار البرديسي سافر «إلى ولاية الغربية، وكان شاهين كاشف المرادي هناك يجمع الفردة، وتوجه إلى طنتدا «طنطا» وعمل على أولاد الخادم ثمانين ألف ريال، فحضروا إلى مصر ومعهم مفاتيح مقام سيدي أحمد البدوي هاربين، وتشكوا وتظلموا وقالوا لإبراهيم بك لم يبق عندنا شيء؛ فإن الفرنساوية نهبوا وأخذوا أموالنا.»
وذكر في حوادث «شهر جمادى الأولى 1218ه/27 أغسطس 1803م»، أن البكوات «أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا منه، واستمر الرجاء والخوف أياما، ثم انحط الرأي على قبض مال الجهات ورفع المظالم والتحرير من البلاد والميري عن سنة تاريخه من الملتزمين ويؤخذ من القبط ألف وأربعمائة كيس، هذا مع توالي وتتابع الفرد والكلف على البلاد حتى خرب الكثير من القرى والبلاد وجلا أهلها عنها خصوصا إقليم البحيرة فإنه خرب عن آخره.»
واستمر الحال على ذلك حتى إذا ظهر نقص النيل «في منتصف هذا الشهر» (3 سبتمبر) «وصار الأمراء يأخذون الغلال القادمة إلى بولاق بمراكبها قهرا عن أصحابها ويخزنونها لأنفسهم قلت الغلة وعز وجودها في العرصات والسواحل، وقل الخبز من الأسواق والطوابين وداخل الناس وهم عظيم ... واجتمع بعض المشايخ وتشاوروا في الخروج إلى الاستسقاء فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها، وذهبوا إلى إبراهيم بك وتكلموا معه في ذلك، فقال لهم وأنا أحب ذلك، فقالوا له وأين الشروط التي من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والإقلاع عن الذنوب؟ فقال لهم هذا أمر لا يمكن ولا يتصور، ولا أقدر عليه، ولا أحكم إلا على نفسي. فقالوا إذن نهاجر من مصر، فقال: وأنا معكم، ثم قاموا وذهبوا.»
ولم تسفر مساعي المشايخ عن شيء، بل لم يلبث البكوات - في أول أكتوبر - أن أنزلوا فردة أيضا على أهل البلد ووزعوها على التجار وأرباب الحرف، كل طائفة قدر من الأكياس خمسون فما دونها إلى عشرة وخمسة، وبث الأغوات للمطالبة فضج الناس وأغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات للوسايط والنصارى ... واشتدت أزمة الغلال وارتفعت أسعارها في «السوق السوداء»، فضج الناس وشح الخبر من الأسواق «وخاطب بعض الناس الأمراء الكبار في شأن ذلك واستمر الحال على ذلك إلى آخر الشهر (6 أكتوبر)، وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة أو التبن أو السمن ... وإن حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحري؛ أخذوها ونهبوا ما فيها جملة، فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء».
وفي 20 أكتوبر «اجتمع المشايخ وذهبوا إلى إبراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين ثم استولى على ذلك جماعتهم»؛ أي جماعة البكوات، وقد استمرت هذه المظالم ولم يغن توسط المشايخ أو احتجاجهم فتيلا في رفعها، وفي نوفمبر كتب الشيخ الجبرتي: «كثر عبث العسكر وعربدتهم في الناس فخطفوا عمائم وثيابا وقبضوا على بعض أفراد وأخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم»، ولم يستطع البكوات منع اعتداءات العسكر، ولم تفد مناداتهم «بالأمن والأمان للرعية» أو تنبيههم على الناس «إن وقع من العسكر أو المماليك خطف شيء يضربوه وإن لم يقدروا عليه فليأخذوه إلى حاكمه، ومثل هذا الكلام الفارغ»؛ لأن العسكر «بعد مرور الحكام بالمناداة خطفوا عمائم ونساء!»
وفي 16 ديسمبر «قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر ... وعبث العسكر وخصوصا بالأرياف»، وفي 27 يناير 1804 حاول البرديسي أن يحصل عنوة من الشيخ السادات على «عشرين ألف ريال سلفة» ولم يرده عن الشيخ سوى تدخل عديلة هانم ابنة إبراهيم بك، وانتهز المشايخ فرصة وصول صالح أغاقابجي باشا من القسطنطينية يحمل فرمانا بتاريخ 20 يناير 1804 باسم علي الجزائرلي والقاضي في مصر وإبراهيم بك شيخ البلد وعثمان بك البرديسي وسائر البكوات ومفتي المذاهب الأربعة وعلماء الأزهر الشريف وضباط الوجاقات السبع ورؤساء القضاة في القاهرة، ويتضمن «ولاية علي باشا والأوامر المعتادة» وانعقاد الديوان لقراءة هذا الفرمان في 2 فبراير 1804 «فتكلم الشيخ الأمير في ذلك المجلس وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب، وشكا الأمراء المتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدي الكشاف النازلين في الأقاليم وجورهم على البلاد وأنه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم «فاتفق الحال على إرسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد»، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث واستمرت المظالم واستمرت الفوضى.
Page inconnue