L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
وذلك أن الباب العالي عندما بلغه طرد خسرو من القاهرة، وتنصيب طاهر باشا قائمقام أصدر - نزولا على الأمر الواقع - فرمانا اعترف فيه «بجور خسرو باشا وظلمه»، واعترف ضمنا بحق الجنود في الثورة على الباشوات عندما قال: «إنه قطع علوفات العسكر وإنهم قاموا عليه فأخرجوه، وهذه عادة العساكر إذا انقطعت علوفاتهم!»
وعلى ذلك فقد أسند الباب العالي ولاية سالونيك إلى خسرو باشا، وأبقى «طاهر باشا» مستمرا على المحافظة ثم نصب أحمد باشا قائمقام إلى أن يأتي المتولي، وظاهر أن الباب العالي قد رفض تثبيت طاهر باشا في قائمقاميته أو تعيينه في باشوية مصر؛ ومرد ذلك إلى أن «طاهر باشا» كان من الأرنئود، «وليس له إلا طوخان ومن قواعد «العثمانيين» القديمة أنهم لا يقلدون الأرنئود ثلاثة أطواخ أبدا»، ولعل هذه الحقيقة كانت أحد الأسباب التي جعلت «محمد علي» وهو أرنئودي يتريث في أمره، وسط هذا الخضم المتلاطم من الحوادث الهوجاء، ووسط هذه الفوضى السياسية الشاملة التي ما كان يعرف إنسان ما ستتمخض عنه.
وقد وصل هذا الفرمان القاهرة في 19 يونيو، فكان فرمانا «غير ذي موضوع»؛ لأن «طاهر باشا» كان قد قتل، وأحمد باشا كان مطرودا من القاهرة، والبكوات المماليك كانوا مسيطرين على حكومتها، بينما يطارد جيش حسن بك خسرو باشا.
وقد خرجت البلاد بأسرها، ما عدا رشيد والإسكندرية، من أيدي العثمانيين ولا حول ولا طول للباب العالي في مصر، وفضلا عن ذلك فقد دل خروج البرديسي ومحمد علي لمناجزة خسرو على أن الثلاثية الحاكمة في القاهرة لا تقيم وزنا لأوامر الباب العالي، زد على ذلك أن إبراهيم بك ظل أثناء ذلك كله يعلن تمسكه بالولاء للباب العالي، بل وكتب «ماثيو لسبس» من الإسكندرية في 20 يونيو، أن إبطاء الباب العالي في إرسال النجدات إلى مصر لإعادة الأمور إلى نصابها، ثم ما صار يشاهده من مجيء الرسل إلى القسطنطينية وتعدد مقابلاتهم مع إبراهيم، «ومراعاة الخواطر» الظاهرة والمستمرة من إبراهيم حيال الباب العالي؛ لتنهض دليلا على وجود مفاوضة بين الطرفين قد تنتهي في صالح البكوات أنفسهم، لا سيما وهم يمتلكون الحصون والقلاع الرئيسية في داخل البلاد، وسواء رضي الباب العالي فنجحت هذه المفاوضة وتم الاتفاق وديا مع البكوات، أم لم يرض فلجأ هؤلاء إلى القوة؛ فإنهم سوف يظلون أسياد القاهرة، وربما دانت لهم مصر بأسرها؛ أي ما بقي منها خارجا عن سيطرتهم، فينالون الوضع الذي كان لهم سابقا في حكومة البلاد.
وكانت القسطنطينية لا تزال تبحث مسألة تعيين الوالي الجديد الذي يخلف خسرو باشا، عندما بلغها نبأ مقتل طاهر باشا «ففرح رجال الديوان العثماني فرحا عظيما»، وظنوا أنهم إذا أصدروا أوامرهم إلى القاهرة بدفع مرتبات الجند الأرنئود أن المسألة تكون قد سويت نهائيا، وأنهم إذا عينوا باشا جديدا للقاهرة استطاع تنفيذ إرادة الباب العالي وإخراج البكوات من البلاد؛ أي إقناعهم سلما أو حربا بقبول ذلك الحل الذي سبق أن عرضه الباب العالي عليهم أيام خسرو باشا ورفضه البكوات وقت أن لم تكن في أيديهم حكومة القاهرة.
وكان تظاهر الباب العالي بأن معالجة الموقف في مصر لا تتطلب سوى تعيين وال جديد، وأن الخطر قد زال دليلا آخر على الضعف الذي ينطوي على إعطاء مثال سيئ - كما كتب دراموند من القسطنطينية إلى حكومته في 7 يونيو - لجيش ثائر، لا تستطيع الحكومة ردعه، فتترك الجنود يعزلون ويولون ويقتلون من يشاءون، فتقر أعمالهم ولا تجرؤ على تحريك ساكن لقمع تمردهم وعصيانهم.
ومع أن القبطان باشا حامي خسرو قد حاول استبقاء صنيعته في الولاية؛ فقد تغلب عليه الصدر الأعظم في التأثير على الديوان العثماني وطلب تعيين علي الجزائرلي المعروف كذلك باسم علي برغل، وانحاز إلى الصدر الأعظم السلطان نفسه، وكتب «برون» السفير الفرنسي من القسطنطينية في 10 أغسطس أن هذا الحادث قد سبب استياء القبطان باشا من الصدر الأعظم، ولكنه جلب على نفسه بسبب معارضته غضب السلطان والإنجليز والحزب الذي يؤويهم في السلطنة، وقد انتهى الأمر بتقرير عزل خسرو باشا وتعيين علي الجزائرلي، وتثبت الأخير في منصبه في 17 يونيو ثم غادر القسطنطينية إلى مصر ولايته في 17 يونيو.
وكان اختيار الجزائرلي الذي حدثت بسببه هذه الأزمة، اختيارا جانبه التوفيق كلية؛ ذلك أن الباشا الجديد كان معروفا بالمخاتلة والخداع، وصاحب سوابق كثيرة في الدس والوقيعة، لا يؤهله ماضي خيانته لملء هذا المنصب، في وقت كان الموقف في مصر يتطلب رجلا قوي الشكيمة في وسعه أن يفرض احترامه الشخصي على البكوات والأرنئود حتى يستطيع استرجاع سيطرة العثمانيين في مصر، وأن يطرد البكوات من حكومة القاهرة، بل ويبعدهم من البلاد بأسرها على نحو ما كان يريد الباب العالي وقتئذ، ولم يكن علي باشا شيئا من ذلك.
فالمعروف من سيرته - وقد فصلها تفصيلا المؤرخ الفرنسي «فيرو»
Féraud
Page inconnue