L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
وعلى ذلك فقد صار يدفع لطائفة الأرنئود - عندما فرض الفرض «وصادر الناس في جماكيهم المنكسرة - أو يحولهم بأوراق على المصادرين، وكلما طلب الإنكشارية شيئا من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا أعطيكم إلا من وقت ولايتي، فإن كان لكم شيء فاذهبوا وخذوه من محمد باشا»، ثم ازداد حنق الإنكشارية عندما استعلى عليهم الأرنئود وازدروا بهم، وكان الإنكشارية يعدونهم خدمهم وعسكرهم وأتباعهم.
وعلى ذلك فقد بيت الإنكشارية النية على الظفر بمرتباتهم وإنهاء شموخ الأرنئود عليهم، أو الخلاص من طاهر باشا نفسه، وعاونهم في هذا التدبير أو المؤامرة أحمد باشا والي المدينة المنورة، والذي كان بالقاهرة منذ أواخر مارس ثم بقي بها حتى وقع انقلاب مايو، ووجد في تذمر الإنكشارية فرصة مواتية للتدخل في شئون القاهرة والظفر بباشويتها، فانحاز إليهم - ولو أنه كان هو وأتباعه من الأرنئود.
وفي 26 مايو خرج الإنكشارية لمقابلة طاهر باشا وهو على أهبة الذهاب لمقابلة البكوات المماليك الذين كانوا قد حضروا بناء على دعوته لهم، وربضوا أمام الجيزة، فطالب الإنكشارية بمرتباتهم، ولكن طاهرا أصر على أنه «ليس لهم عنده شيء إلا من وقت ولايته ، وإن كان لهم شيء مكسور فهو مطلوب لهم من باشتهم محمد باشا خسرو»، فلما ألحوا عليه نثر فيهم فعاجلوه بالحسام وقطعوا رأسه، وانتهى عهد طاهر باشا.
ويصف «روشتي» ما وقع من حوادث بعد ذلك - في كتابه إلى البارون شتورمر في 27 مايو - ويؤيده في روايته الشيخ الجبرتي، وكلاهما يصف ما حل بالأرنئود من الفزع والرعب عقب قتل طاهر باشا وفتك الإنكشارية بكل من وقع منهم في أيديهم، ثم التفاف الأرنئود حول زعيمهم محمد علي.
وبادر أحمد باشا في أول الأمر بالكتابة إلى محمد خسرو «يعلمه بصورة الواقعة ويستعجله في الحضور»، وظن الموالون لخسرو باشا أن في استطاعته استرجاع منصبه في القاهرة، فكتب إليه السيد أحمد المحروقي يستعجله كذلك في الحضور، كما كتب له بذلك غيره، حتى إذا أعلن الإنكشارية تأييدهم لأحمد باشا وقلدوه المنصب الذي كان يشغله طاهر باشا، أسرع من فوره يعمل لتعزيز مركزه الجديد، «فأحضر المشايخ وأعلمهم بما وقع وأمرهم بالذهاب إلى محمد علي»، حتى يطلبوا منه الإذعان والطاعة.
وكان محمد علي طوال قائمقامية طاهر باشا، قد استمر بمعزل عن الأمور، لما كان واضحا من زعزعة مركز طاهر باشا نفسه، وخروجه الظاهر على سيادة السلطان العثماني، بسبب الانقلاب الذي أفضى إلى طرد ممثل الباب العالي الشرعي من القاهرة، ولكن مقتل طاهر باشا واستعلاء الإنكشارية الذين نصبوا - الآن - أحمد باشا قائمقام؛ كان معناه إذا استتبت الأمور لهم إنهاء سيطرة الأرنئود، ومن المحتمل كذلك إخراجه من مصر كلية، فلم يكن في صالح محمد علي الاعتراف بحكومة أحمد باشا، وعلى ذلك فقد رفض الإذعان والطاعة، فكان جوابه للمشايخ الذين وسطهم أحمد باشا عنده أن الأخير لم يكن واليا على مصر بل هو والي المدينة المنورة، وليست له علاقة بمصر، وقال محمد علي: «إنه وإن كان هو الذي ولى «طاهر باشا» فذلك لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة، وأما أحمد باشا فليست له جرة ولا شبهة»، وطلب خروجه إلى مقر ولايته «الحجاز» على أن يأخذ معه الإنكشارية ويقوم محمد علي بتجهيز ما يلزم لسفره.
ثم إن «محمد علي» لم يلبث أن اتصل بالبكوات ، وكان منذ أن بلغه تنصيب أحمد باشا قد انتقل إلى الجيزة، فأقنع إبراهيم بك بأنه أحق بالقائمقامية؛ حيث قد انعدمت كل سلطة عليا بالبلاد، بدلا من أن يتولى هذا المنصب أجنبي لا نفوذ ولا أنصار له، واقترح عليه أن يكتب إلى أحمد باشا يدعوه لمغادرة البلاد فورا وتسليمه قتلة طاهر باشا، وكان غرض محمد علي من التعاون مع البكوات في هذه الأزمة التغلب على الإنكشارية المسيطرين في القاهرة، وفي صبيحة اليوم التالي (27 مايو) دخل كثير من المماليك والكشاف القاهرة، وتترس الإنكشارية وتحصنوا في الجهات والنواحي التي كانت بأيديهم، واستمروا على ما هم عليه من النهب وتتبع الأرنئود، وكتب إبراهيم بك إلى أحمد باشا يقول: إنه كان من المنتظر عند قتل طاهر باشا أن يكون أحمد باشا مع أتباعه الأرنئود حالا واحدا ولا يتداخلون مع الإنكشارية، وحاول أحمد باشا استخدام المشايخ في إثارة القاهريين ضد الأرنئود وقتلهم.
ولما كان الإنكشارية قد تركوا القلعة في أيدي الأرنئود وأغفلوا الاستيلاء عليها؛ فإن هؤلاء بمجرد أن هدأ روعهم، واستفاقوا من أثر الكارثة التي حلت بهم بمقتل طاهر باشا، ثم شهدوا المماليك يتجولون في أنحاء القاهرة، بينما احتشد عدد عظيم منهم ومن العربان خارج بابي النصر والفتوح، سرعان ما استردوا شجاعتهم، وأطلقوا المدافع من القلعة على الإنكشارية الذين أرادوا - بعد فوات الوقت - مهاجمتها من ميدان الرميلة، كما صاروا يطلقون المدافع على بيت أحمد باشا نفسه، وعندئذ أخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الإنكشارية البلدية.
وتفرق المشايخ الذين كانوا قد اجتمعوا بالأزهر للنظر في مسألة إثارة الرعية ضد الأرنئود، فذهبوا إلى بيوتهم، وبعث إبراهيم بك ينذر أحمد باشا من جديد بتسليمه قتلة طاهر باشا ويمهله للخروج من القاهرة خلال ساعات قليلة، وإلا فلا يلومن إلا نفسه، فلم يجد بدا من التسليم والإذعان عندئذ، وطلب من إبراهيم بك تهيئة وسائل سفره إلى بلاد العرب، فلما أصر إبراهيم على خروجه غادر؛ أي أحمد باشا، القاهرة في حالة شنيعة، فكانت مدة ولايته يوما وليلة، وفي مساء اليوم نفسه (27 مايو) نودي في القاهرة «بالأمان حسب ما رسم إبراهيم بك حاكم الولاية وأفندينا محمد علي»، وبدأت من ثم حكومة المماليك في القاهرة، وفي 28 مايو قتل الأرنئود الدفتردار خليل أفندي الرجائي، ويوسف بك كتخدا خسرو باشا، وكانا قد ناصرا أحمد باشا عقب مقتل طاهر، وفي 31 مايو إسماعيل أغا وموسى أغا قاتلي طاهر باشا.
وأما أحمد باشا فكان بعد خروجه من باب الفتوح قد تحصن بقلعة الظاهر - وهي جامع بيبرس الذي أحاله الفرنسيون وقت احتلالهم إلى قلعة سلكوسكي - ولكنه اضطر إلى التسليم بعد أن ضيق الأرنئود الحصار عليه وضربوا قلعة الظاهر بالمدافع، وانتهى الأمر بإرسال الإنكشارية الذين كانوا بها إلى الصالحية في طريق إبعادهم من مصر، وخرج أحمد باشا بمن بقي من العساكر الإنكشارية بالقاهرة في طريقه إلى بلاد العرب في 25 يونيو. (2) الحكومة الثلاثية في القاهرة «إبراهيم، البرديسي، محمد علي»
Page inconnue