L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
وكان الأثر العميق الذي أحدثه الفرنسيون بمجيئهم تشتيت قوى المماليك وتسديد ضربة قاصمة إلى بكوات هذه الطغمة الفاسدة المفسدة والتي سيطرت في مصر وأساءت استخدام ما كان لها من سلطة نافذة زمنا طويلا، حتى إن البكوات المماليك - الذين لعب كبراؤهم في العهد العثماني المملوكي بالأمراء - تعذر عليهم بعد خروج الفرنسيين أن يجمعوا أشتاتهم ليصبحوا قوة ذات وزن في توجيه الأمور في السنوات التالية، وزاد من عوامل ضعفهم وانحلالهم تفرق الكلمة بينهم وانقسامهم إلى شيع وأحزاب متنافسة فيما بينها، ولو أن غرضها جميعها كان استرجاع سلطانها ونفوذها المفقود.
وعادت مصر بعد خروج الفرنسيين إلى حظيرة الدول العثمانية مرة ثانية، وكان من مظاهر السيادة العثمانية عقب خروج الحملة، بقاء الصدر الأعظم يوسف ضياء باشا بالقاهرة لإجراء التنظيمات الحكومية التي تجعل من مصر مقاطعة أو باشوية من مقاطعات أو باشويات الإمبراطورية العثمانية، وبقاء القبطان حسين باشا بعمارته العثمانية في «أبي قير» لتأييد هذه التنظيمات الحكومية، ثم تعيين محمد خسرو باشا أول الولاة على مصر في العهد الجديد.
واعتمد مندوبو الباب العالي في إجراء ترتيباتهم على الجيش العثماني الذي بقي بالبلاد كذلك بعد اشتراكه في طرد الفرنسيين وإجلائهم عنها، وتألف هذا الجيش من خليط من الأجناد الأكراد والإنكشارية والأرنئود (الألبانيين) خصوصا. وكان الأخيرون قوام هذه القوة «العثمانية» لتفوقهم العددي على غيرهم منذ مغادرة الصدر الأعظم البلاد وخروج قسم من العسكر العثمانيين (الإنكشارية) معه.
وصار نجاح الولاة أو الباشوات في دعم باشويتهم والترتيبات الجديدة متوقفا على مدى مؤازرة هؤلاء لهم، ولكن هؤلاء الأجناد ورؤساءهم نظروا للبلاد كأنها «فتح» جديد، لهم بفضل حق الفتح أن ينهبوا ويسلبوا أرزاقها وأموالها، وأن يسيئوا معاملة أهلها أبلغ إساءة، ولم يستطع الباشوات أو «الولاة» كبح جماح الجند؛ لعجزهم عن دفع مرتباتهم أو إنشاء الحكومة القوية التي في قدرتها أخذهم بالحزم والشدة ووقف اعتداءاتهم؛ لأن الاضطرابات التي سببها وجود الفرنسيين ثم الحروب التي أدت إلى خروجهم من البلاد؛ عطلت التجارة والزراعة وكل نواحي النشاط الاقتصادي الأخرى، واستولى البكوات المماليك على موارد الأقاليم التي كانت وقتئذ في حوزتهم، فنضب معين الخزينة وافتقر الباشوات إلى المال اللازم لسد نفقات الحكم والإدارة ولدفع مرتبات الجند، فظل هؤلاء الأجناد عامل اضطراب وفوضى، ولجأ الباشوات إلى تحصيل الفرض والمغارم من الأهلين، وضج الأهلون ورؤساؤهم من المشايخ والأعيان بالشكوى والتذمر، وتحركوا للثورة على سلطة الحكومة المزعزعة، وساعد ذلك على انتشار الفوضى.
ولم يسفر خروج الفرنسيين واسترجاع العثمانيين لهذه البلاد - من الناحية الدولية - عن المساعدة على إنهاء الفتن والاضطرابات منها؛ لأن استقرار الأمور في مصر ارتهن بتقرير السلام الأوروبي العام من جهة، كما كان مرتهنا بقيام الحكومة الموطدة الأركان بها من جهة أخرى، فإن صلح «أميان» لم يكن سوى «هدنة مسلحة»، فقامت الحرب بين فرنسا وإنجلترا بعد أقل من عام واحد (مايو 1803)، وعقدت الثانية محالفة مع روسيا ضد فرنسا في أبريل 1805، انضمت إليها النمسا بعد ذلك وبذل الفرنسيون قصارى جهدهم في القسطنطينية حتى يعلن الباب العالي الحرب على أعدائهم، ونجحوا في مسعاهم فأعلنت تركيا الحرب على روسيا وإنجلترا في ديسمبر سنة 1806، وأرسل الإنجليز أسطولهم بقيادة الأميرال دكوورث
Duckworth
إلى الدردنيل والبسفور في فبراير من العام التالي، كما أرسلوا حملة فريزر
Fraser
إلى الإسكندرية في مارس 1807، وأوقفت إنجلترا عملياتها العسكرية ضد تركيا عندما عقد نابليون مع القيصر إسكندر معاهدة تلست
Tilsit
Page inconnue