L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
Aïdin » أو في القسطنطينية، «يعيشون في سلام ويدعون للسلطان»، ويصرف الباب العالي لهم معاشات ضعف ما عرضه قبلا، وفوض الباب العالي خسرو باشا في إعطاء البكوات الأمان وجوازات المرور اللازمة، كما أجاز له إذا رغب المماليك - بعد خروج البكوات - أن يلتحقوا بخدمة الجيش العثماني، أن يقبلهم خسرو في هذه الخدمة لقاء مرتبات يدفعها لهم.
ومع أن ستيوارت وستراتون ظلا يحاولان إقناع الباب العالي بالعدول عن رأيه، فقد رفض الريس أفندي كل مقترحاتهما، حتى إن ستراتون صار يعتقد أن الإرغام وحده هو الوسيلة لحملهم على الاتفاق، وأما ستيوارت فقد كتب إلى هوبارت في 17 أغسطس يعلل سبب إخفاقه في مهمته في القسطنطينية، بأن التعليمات المعطاة له لم تجعل إخلاء الجنود البريطانيين لمصر مرتهنا بقبول الأتراك للاتفاق، وفي اليوم نفسه غادر ستيوارت القسطنطينية وهو لا يزال يعتقد أن الفرصة لما تفلت من يده بعد، ويحدوه الأمل في النجاح عند وصوله إلى الإسكندرية.
وكان ستيوارت في أثناء رحلته إلى القسطنطينية قد كتب إلى «كافان» من مالطة ينبئنه بمهمته، فبادر «كافان» بإبلاغ خسرو في 18 يوليو بمهمة ستيوارت في القسطنطينية وفي مصر «للوصول إلى السلام والاتفاق الودي بين الباب العالي والبكوات المماليك»، وطلب «كافان» مساعدة خسرو ومعاونته في ذلك؛ لأن مصلحة الباب العالي تقتضي إنهاء الخلافات بينه وبين البكوات، كما طلب منه جواز مرور لترجمانه «فنشينتزو تابرنا» وياوره «ديساد
Desade » حتى يذهبا إلى البكوات لإبلاغهم الموقف ولرجائهم أن يرسلوا مندوبين عنهم إلى الإسكندرية مخولين سلطات كاملة للمفاوضة والاتفاق عند وصول الجنرال «ستيوارت» وسماع شروط الاتفاق التي يعرضها عليهم الباب العالي، كما زود «كافان» في الوقت نفسه ياوره «ديساد» برسالة إلى إبراهيم بك يبلغه إيفاد الجنرال «ستيوارت» إلى القسطنطينية من قبل حكومته والمهمة المكلف بها، ويطلب إليه إرسال المندوبين اللازمين للمفاوضة والاتفاق.
ولكن خسرو رفض أن يسمح لياور اللورد «كافان» بالذهاب إلى البكوات والاتصال بهم، وتعهد بإيصال رسائل «كافان» إليهم، دون أن يفضها، ولكن «كافان» رفض بدوره لعدم ثقته به، واستند خسرو فيما فعل إلى أن تعليمات حكومته له تمنعه من كل اتصال بالمماليك، وتأمره بالاستمرار في الحرب ضدهم، وأنه لا مبرر في الحقيقة لخرق هذه التعليمات الآن ما دام من المنتظر حضور «ستيوارت» قريبا، ومن المتوقع أن يأتي معه بأوامر الباب العالي في هذه المسألة، وعلى ذلك فقد رجع «ديساد» إلى الإسكندرية، وكان كل ما وعد به خسرو باشا - برهانا على حسن نواياه - هو وقف زحف طاهر باشا ضد البكوات حتى يحضر الجنرال «ستيوارت»، ووقف كل العمليات العسكرية ضدهم إذا وعد اللورد «كافان» من جانبه وعد صدق وشرف، أن المماليك يقبلون الانسحاب إلى ما بعد «إسنا» دون أن يؤذوا القرى والسكان في أثناء انسحابهم، وعلى أن يحترموا جنود الباب العالي في أي مكان قد يقابلونهم فيه.
وعلى ذلك فإنه عندما وصل «ستيوارت» إلى الإسكندرية في 27 أغسطس لم يجد أحدا من مندوبي البكوات في انتظاره، ولكنه لم يفقد الأمل؛ ذلك أن المماليك الذين أغضبهم إصرار الباب العالي على الانتقام منهم، وإصرار خسرو باشا على تعقبهم وعزمه على مطاردتهم؛ ما لبثوا أن ولوا وجوهم شطر القاهرة، وزحفوا صوب الشمال حتى وصلوا إلى منتصف المسافة بين جرجا والقاهرة بعد أن هزموا الأتراك في معارك شديدة وحملوهم خسائر كبيرة، فوجد «ستيوارت» في هذه الحوادث ما يشجعه على بدء مساعيه، فأرسل في 30 أغسطس اللورد «بلانتاير»
Blantyre
ياوره لمقابلة خسرو في القاهرة، وفضلا عن ذلك فقد شعر «ستيوارت» بعد انتصارات المماليك الأخيرة بأنه صار يشق عليه كثيرا أن يبلغ البكوات نتائج مفاوضاته في القسطنطينية؛ أي فشلها وإصرار الباب العالي على خروجهم من مصر؛ لأنه تذكر - كما قال في رسالة بعث بها من الإسكندرية إلى اللورد هوبارت في 3 سبتمبر - الوعود التي أغرتهم أصلا على ترك أماكنهم الأمينة بالصعيد، وشعر بصعوبة إعلان قرار إليهم لا يمكن أن يؤثر عليهم أو يكون بمثابة النصيحة لهم الآن، ولكنه يحمل في الوقت نفسه فكرة أنهم قد صاروا متروكين لرحمة الظروف والمقادير، وقد حداه هذا الشعور نفسه إلى الكتابة للرئيس أفندي في 3 سبتمبر أيضا بأن شروط الاتفاق التي تضمنتها مذكرة الباب العالي له في 10 ديسمبر غير مجدية، بينما كانت هناك ارتباطات مع البكوات وتعهدات أعطيت لهم باسم ملك إنجلترا، يتساءل «ستيوارت» الآن عما إذا كان الريس أفندي يعتقد أن لها من القدسية ما يجعلها مقبولة كأساس للاتفاق بين الباب العالي والمماليك، وعما إذا كانت المقترحات التي بعث بها «ستيوارت» نفسه إلى الريس أفندي قبل مبارحته القسطنطينية بتاريخ 6 أغسطس تصلح أساسا لهذا الاتفاق، وقد كانت هذه المقترحات مطابقة لما جاء في تعليمات هوكسبري له (10 مايو)، فاشتملت على إعطاء الصعيد للبكوات ليس كإقليم يستقلون به، ولكن كحكومة تابعة للسلطان العثماني، وتخضع لرقابة وإشراف الباشا العثماني في القاهرة، وعلى أن يمارس البك الحاكم وظيفته باسم الباب العالي فيبقيه أو يعزله حسب مشيئته، وأن يدفع البكوات الخراج المعقول للباب العالي، ويسمح لهم بنقل أموالهم والتصرف في أملاكهم التي بالقاهرة، وذلك كله مع إدخال تعديلات في نظام المماليك بصورة تكفل ارتياح الباب العالي لها ونفع سكان البلاد.
ولا شك في أن مبعث هذا الشعور بإخفاق مهمته سلفا، ما توقعه من رفض خسرو باشا لأي اتفاق مع البكوات على أساس غير إخراجهم من مصر، على أن «ستيوارت» لم يعدم الأمل في حمل خسرو على الموافقة إذا تسنى له إقناعه بأن تصميمه على رفض المفاوضة مع المماليك من شأنه تأجيل خروج الإنجليز من البلاد، ولم يتوان «ستيوارت» عن التلميح بهذا الرأي لحكومته، والإيحاء إليها بأنه الوسيلة المجدية لحمل الأتراك على الاتفاق، فقال في رسالته إلى «هوبارت» في 3 سبتمبر - وهي الرسالة التي سبقت الإشارة إليها - «وأما إذا كانت هذه؛ أي تأخير الجلاء حتى يتم الاتفاق، هي رغبة حكومة جلالة الملك الحقيقية، فالجيش البريطاني في مصر يجد صعوبات لا ندحة عن إخبار حكومته بها؛ لأن الجيش في حاجة قصوى إلى مختلف أنواع المؤن والاستعدادات اللازمة لإقامته، حيث إن تسليم القلاع الرئيسية مع مخازنها للأتراك واشتراك الحاميات مع الجنود الأتراك يعرض الجيش بعد هذا لارتباكات خطيرة لا حصر ولا عد لها.»
وفي الواقع صح ما توقعه ستيوارت، ورفض خسرو كل ما عرضه عليه، ورفض أن يسمح له بالاتصال بالبكوات على نحو ما فعل «كافان»، وضاق ستيوارت ذرعا عندما وصلته ووصلت اللورد «كافان» رسائل من البكوات يوم 28 سبتمبر تحمل إليهما أخبار وصولهم إلى مديرية الفيوم حتى صاروا على مسافة يومين من القاهرة، بعد أن انتصروا على الأتراك في خمس معارك، ومع أن البكوات قالوا إنهم ليسوا في حاجة إلى مؤن فقد أشاروا إلى تعاسة الحرب المستمرة، وأكدوا رغبتهم في السلام على أساس تعيين مكان ثابت لإقامتهم في مصر، واعتقد ستيوارت في هذه الظروف أن البكوات لن يرضوا بأي اتفاق يقوم على أساس نفيهم إلى خارج البلاد، كما صار يعتقد أن ممثلي الباب العالي ورجاله أصحاب السلطة في مصر، يخفون حقيقة الأمور عن الوزراء العثمانيين في القسطنطينية، كما كان راسخا في ذهنه أن الباب العالي نفسه مصمم على تنفيذ أغراضه بالقوة المسلحة، ينهض دليلا على ذلك نزول حوالي الخمسة آلاف أو الستة آلاف جندي ألباني ومقدوني وغير ذلك في أبي قير ورشيد في غضون شهري أغسطس وسبتمبر، علاوة على ثمانية آلاف وصلوا إلى دمياط من جهات الشام، أضف إلى هذا كله أن اللورد «كافان» صار مصمما على الاستقالة، وبات من المنتظر مبارحته للبلاد عند أول فرصة سانحة، فكان لهذه الأسباب جميعها أن أعلن ستيوارت رغبته في التزام الحياد من الآن فصاعدا، تاركا للورد «إلجين» في القسطنطينية مهمة إقناع الباب العالي، وكتب إليه بتفصيلات كل ما وقع في 29 سبتمبر 1802.
Page inconnue