315

L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genres

فالملوك والأمراء «يراعون العدل والإنصاف بين الناس والرعايا؛ توصلا إلى نظام المملكة وتوسلا إلى قوام السلطنة؛ لسلامة الناس في أموالهم وأبدانهم وعمارة بلدانهم، ولولا قهرهم وسلطتهم لتسلط القوي على الضعيف والدنيء على الشريف، فرأس المملكة وأركانها، وثبات أحوال الأمة وبنيانها: العدل والإنصاف، سواء كانت الدولة إسلامية أو غير إسلامية، فهما أس كل مملكة وبنيان كل سعادة ومكرمة، فإن الله تعالى أمر بالعدل، ولم يكتف به حتى أضاف إليه الإحسان، فقال تعالى:

إن الله يأمر بالعدل والإحسان ؛ لأن بالعدل ثبات الأشياء ودوامها، وبالجور والظلم خرابها وزوالها، فإن الطباع البشرية مجبولة على حب الانتصاف من الخصوم وعدم الإنصاف لهم، والظلم والجور كامن في النفوس، لا يظهر إلا بالقدرة، كما قيل:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعله لا يظلم

فلولا قانون السياسة وميزان العدالة، لم يقدر مصل على صلاته، ولا عالم على نشر علمه، ولا تاجر على سفره، ولله در عبد الله بن المبارك؛ حيث قال:

لولا الخلافة ما قامت لنا السبل

وكان أضعفنا نهبا لأقوانا

فإن قيل فما حد الملك العادل، قلنا: هو كما قال العلماء بالله من عدل بين العباد، وتحذر عن الجور والفساد ... فمن عدل في حكمه وكف عن ظلمه نصره الحق ، وأطاعه الخلق، وصفت له النعمى، وأقبلت عليه الدنيا، فتهنأ بالعيش، واستغنى عن الجيش، وملك القلوب، وأمن الحروب، وصارت طاعته فرضا، وظلت رعيته جندا؛ لأن الله تعالى ما خلق شيئا أحلى مذاقا من العدل، ولا أروح إلى القلوب من الإنصاف، ولا أمر من الجور، ولا أشنع من الظلم.

فالواجب على الملك وعلى ولاة الأمور ألا يقطع في باب العدل إلا بالكتاب والسنة؛ لأنه متصرف في ملك الله وعباد الله بشريعة نبيه ورسوله نيابة عن تلك الحضرة، ومستخلفا عن ذلك الجناب المقدس، ولا يأمن من سطوات ربه وقهره فيما يخالف أمره، فينبغي أن يحترز عن الجور والمخالفة والظلم والجهل، فإنه أحوج الناس إلى معرفة العلم واتباع الكتاب والسنة، وحفظ قانون الشرع والعدالة، فإنه منتصب لمصالح العباد، وإصلاح البلاد، وملتزم بفصل خصوماتهم، وقطع النزاع بينهم، وهو حامي الشريعة بالإسلام فلا بد من معرفة أحكامها، والعلم بحلالها وحرامها؛ ليتوصل بذلك إلى إبراء ذمته، وضبط مملكته، وحفظ رعيته، فيجتمع له مصلحة دينه ودنياه، وتمتلئ القلوب بمحبته والدعاء له، فيكون ذلك أقوم لعمود ملكه، وأدوم لبقائه، وأبلغ الأشياء في حفظ المملكة العدل والإنصاف على الرعية ...»

وقد ذيل الشيخ كلامه هذا بطائفة من «نصائح الرشاد لمصالح العباد» لا يسع المرء إلا أن يرى فيها خلاصة الرأي الذي كونه في حكومة محمد علي وصارت لا تتاح له الفرصة إلا سجله في تاريخه، فقد قال الشيخ: «اعلم أن سبب هلاك الملوك، اطراح ذوي الفضائل، واصطناع ذوي الرذائل، والاستخفاف بعظة الناصح، والاغترار بتزكية المادح، من نظر في العواقب سلم من النوائب، وزوال الدول باصطناع السفل، ومن استغنى بعقله ضل، ومن اكتفى برأيه زل، ومن استشار ذوي الألباب، سلك سبيل الصواب، ومن استعان بذوي العقول، فاز بدرك المأمول. من عدل في سلطانه، استغنى عن أعوانه، عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان، الملك يبقى على الكفر والعدل، ولا يبقى على الجور والإيمان، ويقال: حق على من ملكه الله على عباده، وحكمه في بلاده، أن يكون لنفسه مالكا، وللهوى تاركا، وللغيظ كاظما ، وللظلم هاضما، وللعدل في حالتي الرضا والغضب مظهرا، وللحق في السر والعلانية مؤثرا، وإذا كان كذلك، ألزم النفوس طاعته، والقلوب محبته، وأشرق بنور عدله زمانه، وكثر على عدوه أنصاره وأعوانه ...»

Page inconnue