311

L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genres

وعاش نور الدين حسن الجبرتي في يسر ورخاء، وقفت عليه جدته أماكن عدة، منها الوكالة بالصنادقية والحوانيت بجوارها وبالغورية ومرجوش ومنزل بجوار المدرسة الأقبغاوية، ومع اشتغاله بالعلم كان يعاني التجارة والبيع والشراء والمشاركة والمضاربة والمقايضة، وحدث أن تزوجت جدته بعد وفاة جده الأمير علي آغا، باش اختيار متفرقة، المعروف بالطوري وله حكم قلاع الطور والسويس والمويلح، وكانت إذ ذاك عامرة وبها المرابطون، ويصرف عليهم العلوفات والاحتياجات، وبنى الشيخ نور الدين بابنته، ولما مات صهره في عام 1137ه/1725 تقلد أعماله وحل في وظيفته مع كونه في عداد العلماء، ولبث بها فترة من الزمن، ولكنه لم يلبث أن تكدر خاطره عندما أرسل خادما له يسمى سليمان الحصافي (جربجيا) على قلعة المويلح، فقتلوه هناك، فتكدر لذلك، وترك هذا الأمر، وأعرض عنه وأقبل على شأنه، من الاشتغال، وماتت زوجة بنت الأمير علي آغا في حياة أبيها، فتزوج بنت رمضان جلبي بن يوسف المعروف بالخشاب، وهم بيت مجد وثروة ببولاق ولهم أملاك وعقارات وأوقاف، ومن ذلك وكالة لكتان، وربع وحوانيت تجاه جامع الزردكاش، وبيت كبير بساحل النيل، وآخر تجاه جامع مرزه جربجي، وتوفي رمضان هذا في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف (1727). واستمرت ابنته في عصمة الشيخ نور الدين محمد حتى ماتت في المحرم سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف (مايو 1768) وعمرها ستون سنة، وكانت من الصالحات الخيرات المصونات، وحجت صحبته في سنة إحدى وخمسين (1739) وكانت به بارة وله مطيعة. واقتنى المماليك والعبيد والجواري البيض والحبوش والسود، وأنجب من الأولاد نيفا وأربعين ولدا ذكورا وإناثا ماتوا كلهم دون البلوغ، ولم يعش له من الأولاد سوى عبد الرحمن الجبرتي، وكانت وفاة الشيخ نور الدين بعد مرضه بالهيضة الصفراوية، في غرة صفر سنة ثمان وثمانين ومائة وألف (13 أبريل 1774).

تلك إذا كانت البيئة التي نشأ فيها عبد الرحمن الجبرتي، وهي بيئة علم ودين وأدب وثقافة، ويعيش أهله في ثراء، ولوالده جاه ونفوذ كبيران.

وقد ولد الشيخ عبد الرحمن في خريف سنة سبع وستين ومائة وألف (1754)، ووالدته إحدى السراري، وكان الابن الثاني لولده في هذا العام، ثم لم يلبث أخوه أن لحق بسائر أولاد الشيخ نور الدين المتوفين، وكان ذلك سنة 1179ه/1766م. وأما عبد الرحمن فقد درس في بعض الكتاتيب بحي الأزهر، ثم في مدرسة السنانية بخطة الصنادقية، ثم التحق برواق الشوام لتلقينه مذهب الحنفية على يد الشيخ عبد الرحمن العريشي (1763)، ولكن والده لم يلبث أن زوجه بعد خمس سنوات عام 1182ه/1768م، فقطع المجاورة، ولكنه لم ينقطع عن الأزهر، أخذ عن والده العلوم الرياضية والحكمية والفلكية، وانتفع بما كان يقصه عليه من أخبار الأشياخ، والعلماء والحكام، وقد شاركه في هذه الدروس وهو ناشئ، الشيخ أحمد الطهطاوي، وتوثقت عرى الصداقة بين الطهطاوي وعبد الرحمن الجبرتي من ذلك الحين، وكان أكبر أساتذته الأثرين عنده، أبو الفيض محمد مرتضى الزبيدي - وقد سبق الحديث عنه - ثم عبد ربه العزيزي المعروف بابن الست. وكان من أصدقائه أشياخ عرفوا بالعلم والصلاح وصناعة الأدب، كالشيخ أحمد يوسف الشنواني والشيخ يوسف الديار بكرلي والسيد علي العلوي، والسيد إسماعيل وهبي الخشاب، وعلي عبد الله درويش الرومي والشيخ حسن العطار وغيرهم. وبرع عبد الرحمن في علم الفلك والعلوم الرياضية، وقد ثابر على حضور وإلقاء الدروس في الأزهر وفي بيته في الفلك والهندسة والحساب والفقه، ولم تصرفه مشاغله الدنيوية عن العلم، عندما انتقل إليه الإشراف على إدارة الأملاك التي ورثها عن والده، والأوقاف التي كانت للأسرة في القاهرة، ومصر القديمة وبولاق وإدكو، وفي غير ذلك من الجهات.

وكان بعد وفاة والده الشيخ نور الدين حسن الجبرتي أن قام عبد الرحمن في الأيام الأولى من عام تسع وثمانين ومائة وألف (1775) برحلة إلى الوجه البحري، فزار كفر الزيات وطنطا؛ حيث حضر المولد الأحمدي بها في هذا العام، وعقد أواصر الصداقة هناك مع الشيخ أحمد السماليجي الشافعي، الذي ظل يزوره بعد ذلك ويتردد عليه بمنزله في القاهرة، ثم فوة ورشيد؛ حيث زار الشيخ أحمد علي الخضري، وشهد مؤلفين لوالده، ثم إدكو وبها أوقاف الجبرتية، ولا يبعد أن يكون قد زار أبيار كذلك؛ حيث للأسرة بها أرض ومزارع، وزار عبد الرحمن في السنة نفسها دمياط والمنصورة. ومن المتفق عليه أنه حج إلى مكة وزار الصعيد، وهناك من يرجح أنه زار أبا قير والإسكندرية؛ حيث اجتمع بالشيخ المسيري المالكي، عالم الإسكندرية وشيخها الأكبر لذلك العهد.

وفي سنة إحدى وتسعين ومائة وألف (1777) عمر عبد الرحمن داره التي بالصنادقية، وقد ألف الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاوي أبياتا وتاريخا رقمت بطراز مجلس العقد الداخل، تبدأ بقوله:

خليلي هذا الروض فاحت زهوره

ولاح على الأكوان حقا ظهوره

وتنتهي بقوله:

ودام به سعد السعود مؤرخا

حمى العز بالمولى الجبرتي نوره

Page inconnue