292

L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genres

وقد دفع الباشا ما كان منكسرا لهم في 3 أغسطس، وقدره ألف وثمانمائة كيس، وأمرهم بالسفر، ولم يتقدم جندي واحد من جنودهم لمؤازرتهم، فشرعوا في بيع بلادهم؛ أي الأراضي والقرى التي كانت أعطيت لهم التزاما وكشوفية، وتعلقاتهم. ويصف الشيخ الجبرتي ضيقهم بهذا الأمر الذي عجزوا عن معارضته، فيقول: إنهم قد «ضاق ذرعهم، وتكدر طبعهم إلى الغاية، وعسر عليهم مفارقة أرض مصر، وما صاروا فيه من التنعم والرفاهية والسيادة والإمارة، والتصرف في الأحكام، والمساكن العظيمة، والزوجات والسراري، والخدم والعبيد والجواري، فإن الأقل منهم له البيتان والثلاثة من بيوت الأمراء ونسائهم التي قتلت أزاوجهن على أيديهم، وظنوا أن البلاد صفت لهم، حتى إن النساء المترفهات، ذوات البيوت والإيرادات والالتزامات صرن يعرضن أنفسهن عليهم، ليحتمين فيهم، بعد أن كن يعفنهم، ويأنفن من ذكرهم، فضلا عن قربهم.»

وفي 24 أغسطس فر سليمان آغا ومحو بك، وفي 28 منه «سافر صالح آغا قوج وصحبته نحو المائتين ممن اختارهم من عساكره الأرنئودية، وتفرق عنه الباقون، وانضموا إلى حسن باشا وأخيه عابدين بك وغيرهما.»

وكان لهذا الحادث ذيول، خلصت الباشا من سائر زملائه القدامى، الذين اشتركوا - كما فعل عمر بك الأرنئودي وصالح قوج - في كل ما وقع من حوادث، من أيام فترة الفوضى السياسية، ووصول محمد علي إلى الولاية.

فقد أساء أحمد بك الأرنئودي، من كبار عظماء الأرنئود القدامى، وزميل عمر بك وصالح قوش، أن يتم إبعاد الأخير وصحبه، فطلب من الباشا أن يقطع خرجه، ويعطيه علوفة عساكره حتى يسافر مع إخوانه، وكان هؤلاء الإخوان علاوة على تخاذلهم وفرارهم بعساكرهم من ميدان القتال في واقعة الصفراء، قد بيتوا النية فيما بينهم على إشعال الثورة وإحداث انقلاب يطيح بمحمد علي، ويعهد بالحكم والباشوية إلى أحمد بك الأرنئودي، ولكن خاب سعيهم؛ لأن أحدا من الجند وسائر الضباط والرؤساء لم يعضدهم، ووقف الباشا على تدابيرهم وحقيقة نواياهم، فبادر بإقصاء صالح قوج وزملائه؛ ولذلك فإنه عندما أسقط في يد أحمد بك، طلب السفر، ولكن الباشا تظاهر بالعطف عليه، ومنعه، وأظهر الرأفة به، فتغير طبعه، وزاد قهره، وتمرض جسمه، فأرسل إليه الباشا حكيمه، فسقاه شربة وافتصده، فمات من ليلته في 5 أغسطس.

ويذكر «دروفتي» هذه الحوادث في نشرته الإخبارية عن شهر أغسطس 1812، إلى حكومته، فيقول: إن هؤلاء الضباط الذين أبعدوا كانوا قد تآمروا لتسليم أزمة الحكم إلى أحمد بك الأرنئودي، ولكن مؤامرتهم فشلت تماما، ووقف عليها الباشا، وأما أحمد بك فقد مات مسموما، وأما الثلاثة الزعماء العصاة فقد أرغموا على ترك القاهرة، فمنهم من ارتحل بطريق الصحراء إلى الشام، وذهب صالح قوج إلى أبي قير للإبحار منها إلى القسطنطينية.

وأما الحادث الآخر من ذيول واقعة صالح قوج وزملائه، فكان إبعاد أحمد آغا لاظ، وهو لا ينتمي إلى كتخدا بك محمد آغا لاظ، ولو أنه من بلده، وكان صاحب شجاعة وجرأة وهمة، وله نفوذ كبير بين كبار الرؤساء الأرنئود، ويتمتع بسمعة عظيمة في الجيش، لبسالته ، وإليه يعود أكبر الفضل في تمهيد الصعيد وإخلائه من الأجناد المماليك، وقد عينه محمد علي حاكما على قنا ونواحيها، ولكنه اشترك في المؤامرة التي ذكرناها، وعرف الباشا ذلك، فكتب «دروفتي» منذ 5 سبتمبر، تعقيبا على إبعاد صالح قوج وإخوانه: «ولا يزال هناك موضوع يدور البحث في شأنه ، هو نفي أحمد آغا لاظ، قائد قسم من الجيش بالصعيد، وهذا الزعيم الذي يتمتع بسمعة عالية في الجيش، ويخشى من نفوذه، وجسارته، وإقدامه، هو الوحيد الآن الذي ظل في استطاعته الانتقاض على سلطان محمد علي.»

ويفصل الشيخ الجبرتي كائنة أحمد آغا لاظ، بصورة تكشف عن أصول هذه المؤامرة التي ذكرها «دروفتي» و«سانت مارسيل»، وأسباب فشلها، وكذلك الطرائق التي تحيل بها الباشا لاستقدام أحمد آغا لاظ إلى القاهرة؛ حيث ضرب عنقه بها، فيقول الشيخ في حوادث آخر سبتمبر وأول أكتوبر 1812، «وفي تلك الليلة حضر (إلى القاهرة) أحمد آغا لاظ، حاكم قنا ونواحيها، وكان من خبره أنه لما وصلت إليه الجماعة الذين سافروا ونفوا في الشهر الماضي، وهم: صالح آغا (قوج) وسليمان آغا ومحو بك، ومن معهم واجتمعوا على المذكور، بثوا شكواهم، وأسروا نجواهم، وأضمروا في نفوسهم أنهم إذا وصلوا إلى مصر، ووجدوا الباشا منحرفا منهم، أو أمرهم بالخروج والعود إلى الحجاز، امتنعوا عليه وخالفوه، وإن قطع خرجهم وأعطاهم علائفهم بارزوه ونابذوه وحاربوه، واتفق أحمد آغا المذكور معهم على ذلك، وأنه متى حصل هذا المذكور، أرسلوا إليه فيأتيهم على الفور بعسكره وجنده، وينضم إليه الكثير من المقيمين بمصر (القاهرة) من طوائف الأرنئود كعابدين بك وحسن باشا وغيرهم بعساكرهم، لاتحاد الجنسية.

فلما حصل وصول المذكورين، وقطع الباشا راتبهم وخرجهم، وأعطاهم علائفهم المنكسرة، وأمرهم بالسفر، أرسلوا لأحمد آغا لاظ المذكور بالحضور بحكم اتفاقهم معه، فتقاعس وأحب أن يبدي لنفسه عذرا في شقاقه مع الباشا، فأرسل إليه مكتوبا يقول فيه: إن كنت قطعت خرج إخواني، وعزمت على سفرهم من مصر وإخراجهم منها، فاقطع أيضا خرجي، ودعني أسافر معهم.

فأخفى الباشا تلك المكاتبة، وأخر عود الرسول، ويقال له الخجا ، لعلمه بما أضمروه فيما بينهم، حتى أعطى للمذكورين علائفهم على الكامل، ودفع لصالح آغا (قوج) كل ما طلبه وادعاه ولم يترك لهم مطالبة يحتجون بها في التأخير، وأعطى الكثير من رواتبهم لحسن باشا وعابدين بك أخيه، فمالوا عنهم، وفارقهم الكثير من عسكرهم، وانضموا إلى أجناسهم المقيمين عند حسن باشا وأخيه، فرتبوا لهم العلائف معهم، وأكثرهم مستوطنون ومتزوجون، بل ومتناسلون، ويصعب عليهم مفارقة الوطن، وما صاروا فيه من التنعم، ولا يهون بمطلق الحيوان استبدال النعيم بالجحيم، ويعلمون عاقبة ما هم صائرون إليه؛ لأنه فيما بلغنا، أن من سافر منهم إلى بلاده قبض عليه حاكمها، وأخذ منه ما معه من المال الذي جمعه من مصر، وما معه من المتاع، وأودعه السجن، ويفرض عليه قدرا فلا يطلقه حتى يقوم بدفعه، على ظن أن يكون أودع شيئا عند غيره، فيشتري نفسه به، أو يشتريه أو يرسل إلى مصر مراسلة لعشيرته وأقاربه، فتأخذهم عليه الغيرة، فيرسلون له ما فرض عليه ويفتدونه، وإلا فيموت بالسجن، أو يطلق مجردا ويرجع إلى حالته التي كان عليها في السابق، من الخدم الممتهنة والاحتطاب من الجبل، والتكسب بالصنائع الدنيئة، ببيع الأسقاط والكروش، والمؤاجرة في حمل الأمتعة ونحو ذلك؛ فلذلك يختارون الإقامة، ويتركون مخاديمهم، خصوصا والخسة من طباعهم.

هذا، والباشا يستحث صالح آغا (قوج) ورفقاءه في الرحيل؛ حيث لم يبق له عذر في التأخير، فعندما نزلوا في المراكب وانحدروا في النيل، أحضر الباشا الخجا المذكور، وهو عبارة عن الأفندي المخصوص بكتابة سره وإيراده ومصرفه، وأعطاه جواب الرسالة، مضمونها: تطمينه وتأمينه، ويذكر له أنه صعب عليه وتأثر من طلبه المقاطعة، وطلبه المفارقة، وعدد له أسباب انحرافه عن صالح آغا (قوج) ورفقائه، وما استوجبوا به ما حصل لهم من الإخراج والإبعاد، وأما هو فلم يحصل منه ما يوجب ذلك، وأنه باق على ما يعهده من المحبة، فإن كان ولا بد من قصده وسفره، فهو لا يمنعه من ذلك، فيأتي بجميع أتباعه، ويتوجه بالسلامة أينما شاء، وإلا بأن صرف عن نفسه هذا الهاجس، فليحضر في القنجة في قلة، ويترك وطاقه وأتباعه، ليواجهه ويتحدث معه في مشورته، وانتظام أموره التي لا يتحملها هذا الكتاب، ويعود إلى محل ولايته وحكمه.

Page inconnue