L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
وأما «مسيت» فقد أبدى نشاطا كبيرا في هذه الأزمة، وراح يجمع إمضاءات أكبر عدد ممكن من أعيان ووجوه الإسكندرية على مذكرة من سكان الإسكندرية إلى السير «آرثر باجيت»، يطلبون فيها نفس المطالب التي ذكرها «فريزر» و«هالويل» في كتابيهما إلى «باجيت» و«كولنجوود»، ثم شفع «مسيت» هذه المذكرة بكتاب منه إلى «باجيت» بتاريخ 22 أغسطس، يشرح فيه له مقدار الرعب الذي استولى على أهل هذه المدينة من جراء توقعهم إخلاء الجيش البريطاني لها، ثم راح يذكر لباجيت بعض الحوادث التي قد يجهلها هذا تنويرا له في هذه المسألة، منتهزا هذه الفرصة في الوقت نفسه للحملة على محمد علي، فقال إنه كان بفضل ما لدى حاكمها أمين أغا من آراء حرة أن حفظت الإسكندرية من الكوارث التي ترتبت على سقوط مصر في قبضة الأرنئود الذين استولوا على حكومتها ضد رغبات الباب العالي، ولقد حاول محمد علي في السنوات الماضية الاستيلاء على الإسكندرية، ولقي في ذلك معاونة كبيرة من الوكلاء الفرنسيين، حيث يستحيل عليه بدون الإسكندرية تحقيق مشروعاته التي يبغي منها جعل نفسه مستقلا عن الباب العالي، ولم يمنعه من بلوغ مأربه، ويحد من أطماعه سوى نوايا أمين أغا الطيبة، وكتابات الأهلين إلى الباب العالي، حتى إذا أعلنت روسيا الحرب على تركيا اعتقد محمد علي أن الفرصة قد سنحت لإدخال حامية من الأرنئود إلى الإسكندرية، ولكن الإسكندريين قاوموا ذلك، فإنهم ما إن علموا أنه قد صار إرسال جماعة من الأرنئود إلى رشيد مأمورين بالذهاب إلى الإسكندرية، حتى هب الإسكندريون يتسلحون دون إبطاء، وأظهروا عزمهم على الدفاع عنها إلى النهاية، وكان في هذا اليوم نفسه أن ألقت القافلة الإنجليزية بمراسيها بالقرب من الميناء الغربية، وهبط الجنود إلى البر في الليل التالي دون مقاومة، ثم سلمت الإسكندرية إلى ألف ومائة رجل من غير مدفعية، وقد ترتب على ذلك كله أن صار الإسكندريون مكروهين من محمد علي ورجال بطانته، ولا شك في أنهم سوف يتعرضون لكل صنوف القسوة والوحشية إذا استولى الباشا ورجاله على مدينتهم، ثم إن «مسيت» لم يفته تحريك مخاوف «باجيت» - وشأنه في هذا شأن سائر مواطنيه - من استعلاء النفوذ الفرنسي في هذه البلاد، وغزو الفرنسيين لها، فقال في ختام رسالته إنه يدهشه إخلاء الإسكندرية والحرب لا تزال دائرة مع فرنسا، فضلا عن أن وجود الأرنئود وحكومة محمد علي في مصر سوف يفضي إلى تفوق النفوذ الفرنسي بدرجة عالية جدا، يصبح معه من الخطر حتى سكنى البريطانيين في مصر.
وحمل مذكرة الإسكندريين ورسالة «مسيت» هذه إلى السير «آرثر باجيت» أمين بك الألفي، أحد رسل شاهين الألفي إلى «فريزر» في الإسكندرية أثناء شهري يونيو ويوليو، وكان البكوات قد أوفدوه لمقابلة السفير الإنجليزي، يطلب وساطته لدى الباب العالي في صالحهم، فوصل إلى «تينيدوس» في أول أكتوبر، وقابل «باجيت»، وسلمه المذكرة وكتاب «مسيت» له.
وأما رسالة «فريزر» إلى «باجيت» ورسالة «هالويل» إلى «كولنجوود»، فقد حملتهما السفينة أبولو إلى جزيرة «إيمبرو »؛ حيث كان لا يزال بها «باجيت»، فتسلمها هذا مساء يوم أول سبتمبر، ولقيت أقوال «فريزر» و«هالويل» قبولا لديه، وقرر بعد تبادل الرأي مع «كولنجوود» إلغاء الأمر الذي كان قد أصدره يوم 30 أغسطس بشأن المبادرة بالإخلاء فورا، وهو الأمر الذي وصل إلى «فريزر» بالإسكندرية يوم 3 سبتمبر - كما عرفنا - ولكن «باجيت» لم يلبث أن أضاف إلى ذلك قوله إنه لما كان يدرك تماما ما هنالك من ضرورة قصوى لتعزيز الجيش الموجود بصقلية ونجدته بكل القوات الممكنة، فإنه يطلب إليه أن يبعث إلى صقلية بأكبر قسم من جيشه، ويؤكد له في الوقت نفسه أن «كولنجوود» سوف لا يسأله إرسال أية قوات مما لديه إلى جزر الأرخبيل، وعلاوة على ذلك، فقد ترك لفريزر حرية التصرف في اختيار أجدى الوسائل التي يمكن بها استمالة محمد علي إلى إطلاق سراح الأسرى الإنجليز، ووعد في ختام رسالته بالاهتمام بأمر الإسكندريين، واستخدام كل نفوذه في صالحهم، إذا جرت المفاوضات بينه وبين الحكومة العثمانية بصورة أكثر انتظاما مما حدث حتى هذا الحين.
على أن إلغاء أمر الإخلاء الذي كان مبعثه الاهتمام بالإسكندريين وإنقاذهم من غضب الأرنئود، لم يبطل استعدادات «فريزر» للجلاء عن الإسكندرية، أو يثنيه عن عزمه في المضي في مفاوضته مع محمد علي؛ وذلك لأن إلغاء أمر الإخلاء وصل «فريزر» يوم 6 سبتمبر، وكان هذا فور وصول تعليمات «باجيت» الأولى إليه قبل ذلك بثلاثة أيام، قد أوفد رسولا إلى محمد علي بدمنهور يطلب - كما عرفنا - جواز مرور لضابط يذهب إلى معسكر الباشا لإبرام الصلح معه، ثم إنه كان قد وضع بالاشتراك مع «هالويل» منذ 5 سبتمبر مسودة الاتفاق المزمع عقده، وعين الميجور «ريفارولا» لحمل هذه المسودة إلى دمنهور والمفاوضة مع الباشا بصدد الشروط التي تضمنتها، بل أن «ريفارولا» كان قد بدأ رحلته فعلا إلى دمنهور عندما تسلم «فريزر» تعليمات «باجيت» الأخيرة بشأن إلغاء الأمر السابق بالإخلاء؛ ولذلك فقد جاءت هذه التعليمات متأخرة وبعد فوات الوقت - على حد قول «فريزر» - وصار لا يسعه الآن النكوص على عقبيه، بعد أن قطع شوطا كبيرا في مفاوضته مع الباشا، ومهما قويت رغبته في تناول المسائل التي ذكرتها تعليمات «باجيت» الأخيرة ومعالجتها بكل عناية.
ولكنه لما كان «فريزر» و«هالويل» نفساهما قد اهتما بمسألة الإسكندريين، وحرصا على إنقاذهم من انتقام الأرنئود منهم، فقد ضمنا الشروط التي عزما على عرضها على محمد علي في المسودة التي حملها «ريفارولا» إليه شرطا يكفل حماية الإسكندريين وتأمينهم على أرواحهم وأملاكهم عند جلاء الإنجليز عن مدينتهم واحتلال الأرنئود لها.
وأما الشروط التي اقترحها «فريزر» و«هالويل» على الباشا، فقد كانت أربعة، صيغت في العبارات الآتية:
يتعهد الميجور جنرال «فريزر»، والكابتن «هالويل»، قائد قوات جلالة الملك البريطاني البرية والبحرية، بإخلاء مدينة وموانئ الإسكندرية وفق الشروط التالية:
أولا:
يطلق فورا سراح جميع أسرى الحرب البريطانيين في مصر، بما في ذلك كل أولئك الذين قد يكونون رقيقا في أيدي الأفراد، ويرسلون بطريق النيل حتى بوغاز رشيد؛ حيث يجري إنزالهم هناك في سفينة تنقلهم من هذه البلاد.
ثانيا:
Page inconnue