215

L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genres

فقد تولى «كاسلريه» وزارة الحرب منذ أواخر مارس سنة 1807 في وزارة الدوق بورتلاند، وكان من رأيه أن وجود جيش الجنرال «فريزر» منعزلا بالإسكندرية، وفي حالة الضعف التي هو عليها لا يفيد سوى فائدة ضئيلة في المجهود الحربي في البحر الأبيض، ومن الواجب أن يشترك هذا الجيش بدور إيجابي في العمليات التي تقتضيها استراتيجية المحافظة على المواقع العسكرية البريطانية في البحر الأبيض، وأهمها صقلية، ومناوأة جيش نابليون الرابض في شبه الجزيرة الإيطالية، والذي ما فتئ يعمل على بسط سلطان فرنسا بها، ثم إخراج تركيا من المحالفة مع هذه الدولة الأخيرة وإقناعها بترضية روسيا، والوقوف موقف الحياد إذا تعذر حملها على الانضمام إلى إنجلترة ورسيا، وقد تأيدت هذه الفكرة لدى «كاسلريه» عندما وصل إلى لندن عن طريق فينا في أبريل سنة 1807، خبر فشل أسطول «داكويرث» أمام القسطنطينية.

وتتضح رغبة «كاسلريه» في إسناد دور إيجابي ونشيط إلى جيش «فريزر» في العمليات المتصلة بالنضال في البحر الأبيض وإيطاليا، عندما صار لزاما عليه معالجة الموقف بعد فشل «داكويرث»، فطلب إلى الجنرال «فوكس» في 25 أبريل أن يجهز قوة للعمل في الدردنيل إذا كان من الممكن القيام بعملية عسكرية هناك من أجل تخويف الباب العالي، وتعطيل إجراءاته العسكرية، على أن تؤلف هذه القوة من الجند الذين يمكن سحبهم من صقلية ومن الإسكندرية، وقد علل «كاسلريه» هذه الخطوة بقوله: إنه يخشى وقد انسحب السير «جون داكويرث» بأسطوله من أمام القسطنطينية دون أن يفعل شيئا حاسما ضد العاصمة، أن ينجح الأتراك في جمع جيش لحمايتها، وتعزيز تحصينات الدفاع عنها من جهة البحر، وذلك قبل أن يتمكن الإنجليز من جمع قوة عسكرية كبيرة في تلك الجهة، وإنه من المرغوب فيه أن يتسنى للإنجليز الوقوف على مدى استعدادات الأتراك في هذه المسألة، وأن يبذل كل مجهود تمليه الحكمة إما باستخدام القوة العسكرية، وإما باللجوء إلى وسائل أخرى لإرغام الباب العالي على أن ينفض عنه نفوذ فرنسا، ويستأنف علاقته مع بريطانيا العظمى وروسيا، ولتحقيق غرض هام كهذا، ونظرا لضعف الجيش الفرنسي في حالته الراهنة في القارة الإيطالية كذا، من واجبي أن أتوقع أنه في وسعك ودون تعريض صقلية لخطر مبعثه الغفلة وقلة التروي لعدم توقع هجوم عليها من ناحية الفرنسيين في إيطاليا تجهيز قوة تضيف إليها جندا من الذين يمكن الاستغناء عنهم من الإسكندرية للعمل في ميدان آخر، تتبين ملاءمة العمل فيه، ومن المحتمل أيضا بعد إضافة هذه القوة إلى الجيش الذي يمكن الحصول عليه من القوات الروسية التي تعمل في جزيرة «كورفو»، والغرض من ذكر هذا كله أن تدخل هذه الاعتبارات في حسابك فحسب؛ حيث إن الحكومة الإنجليزية لم تصلها حتى هذه اللحظة معلومات كافية، تمكنها من إرسال توجيهاتها بشأن القيام بأية عملية عسكرية معينة ...

على أن «كاسلريه» لم يلبث أن نزل عن مشروع تخويف القسطنطينية باستخدام القوة العسكرية ضدها مباشرة، عندما علم بعد أيام قليلة بأمر استعدادات الدفاع التي تمت في القسطنطينية وفي الدردنيل بإرشاد الضباط والمهندسين الفرنسيين، مما يجعل متعذرا نجاح أي عملية عسكرية، يقصد بها تخويف الإسكندرية، إلا إذا أفرد الإنجليز جيشا وأسطولا كبيرين لتحقيق هذه الغاية، فاضطر «كاسلريه» إذن إلى التخلي عن هذا المشروع، وبعث بتعليماته الجديدة هذه إلى «فوكس» في 8 مايو، فقال: إنه قد وصلته منذ تعليماته الأخيرة إليه (25 أبريل) تقارير من «أربثنوت» في «داكويرث» تحوي تفاصيل الفشل الذي حدث أمام القسطنطينية، ومن الواضح أن تحصينات الدردنيل والعاصمة العثمانية قد صارت تقويتها ... بدرجة تجعل نتيجة ما قد يقوم من عمليات عسكرية ضد العاصمة أمرا ميئوسا منه إلا إذا قام بها جيش كبير جدا، بل وأكبر بكثير مما قد تسمح بجمعه - بالإضافة إلى مساعدة الجيوش الروس في «كورفو» - وسائلك بالصورة التي تتلاءم مع تأمين صقلية؛ ولذلك لم يعد في وسع الحكومة الإنجليزية تعليل النفس بنجاح أية عمليات عسكرية، يستطاع بفضلها الآن تخويف العاصمة التركية، وهي لذلك تقرر حصار الموانئ العثمانية الرئيسية وتعطيل التجارة العثمانية تعطيلا تاما، وقد آثرت الاعتماد على هذه الوسيلة بدلا من اتخاذ إجراءات عدوانية، تشترك فيها القوات البرية والبحرية الإنجليزية ضد الباب العالي، وذلك لجعل الحكومة العثمانية أكثر ميلا للتعقل والحكمة؛ ولذلك - كما استمر «كاسلريه» يقول - فقد صدرت الأوامر لقوات وحدات الأساطيل الإنجليزية في البحر الأبيض لضرب نطاق الحصار بالاتحاد مع الأسطول الروسي الموجود بالبحر الأبيض الآن على الدردنيل وميناء أزمير ومصبات النيل وعلى أي ميناء رئيسي آخر، يمكن انتقال الإمدادات منه إلى العاصمة العثمانية، كما دعا الأسطول الروسي في البحر الأسود لمراقبة البسفور والموانئ العثمانية في هذا البحر، وأوضح «كاسلريه» الغرض من هذه التعليمات الجديدة، فقال: إنه ليس تجريد «فوكس» من حرية التصرف المخول له في تعليماته السابقة إليه بأن يتخذ من الإجراءات العسكرية ما يراه ضروريا، حسبما يتطلب الموقف دون انتظار لتعليمات حكومته، وإنما الغرض من إرسالها إليه هو تعريفه فقط أن الحكومة الإنجليزية بفضل المعلومات التي وقفت عليها أكثر ميلا للاعتماد على إجراءات لإزعاج العدو من محاولة مهاجمته، ولا تريد أن يفهم من إيثارها للإجراء الأول أنها تبغي منعه من تنسيق عملياته أو اتحاده مع القواد البحريين لاستخدام القوات التي تحت قيادته بالطريقة التي يراها محققة لأغراض حكومته على أحسن وجه ... وعلاوة على ذلك فالحكومة الإنجليزية مستعدة لإمداده بالقوة العسكرية اللازمة، إذا رأى بالاتفاق مع قائد القوات البحرية إنشاء مركز بحري في إحدى جزر الأرخبيل لتزويد الأسطول بما يحتاج إليه من نجدات وغيرها، وذلك لحماية هذا المركز.

على أنه إلى جانب حصار الموانئ العثمانية الهامة وتعطيل التجارة العثمانية لإرهاق وإزعاج الباب العالي، لجأت الحكومة الإنجليزية إلى وسيلة أخرى لإقناع هذا الأخير بالصلح مع إنجلترة وروسيا وذلك بالمفاوضة معه، ومنذ بداية مايو 1807 تقرر نهائيا إرسال السير «آرثر باجيت»

Arthur Paget

إلى الليفانت، ولم تختلف مهمته عن مهمة «أربثنوت» من قبل، وأصدر «جورج كاننج» وزير الخارجية تعليماته إلى «باجيت» في 16 مايو، وقد جاء في هذه أن مهمته دائما هي العمل من أجل تسوية الخلافات التي نشأت بين روسيا والباب العالي، وجعل الأخير يشعر بأهمية الظروف التي من شأنها إقناعه بأن من صالحه تجديد ارتباطاته السابقة مع روسيا وإنجلترة، ونبذ ذلك النفوذ المتفوق الذي لفرنسا عليه، وفي 18 مايو أصدر «كاننج» تعليمات أخرى إلى «باجيت»، نص فيها على ضرورة اشتراط إرجاع أملاك البريطانيين التي صادرتها الدولة العثمانية أو تعويضهم عنها عند عقد الصلح، وأنه لا يمكن بحال من غير ذلك موافقة الحكومة البريطانية على إخلاء الإسكندرية، أو أي إقليم آخر من أقاليم الدولة فتحته جيوشها، وعلاوة على ذلك، فقد طلب اشتراط عدم إطلاق سراح الأسرى العثمانيين إلا إذا أخلت الحكومة العثمانية سلفا سبيل المعتقلين من رعايا بريطانيا، أو الذين وقعوا في الأسر نتيجة للحرب بينها وبين تركيا، ثم عاد «كاننج»، فحدد بصورة أكثر وضوحا الغرض من مهمة «باجيت»، فقال في 26 مايو: إن السلام هو الغرض الأول ، وإن السلام مع إرضاء روسيا تماما هو الغرض الثاني، ثم صدرت تعليمات من وزارة البحرية إلى «كولنجوود» في 2 يونيو حتى يترك لأحد قواده حصار قادش بينما يذهب هو بنفسه إلى الدردنيل لتأييد «باجيت» في مفاوضته ولإرضاء أمير البحر الروسي.

وكان لتأييد «باجيت» في هذه المفاوضة أن اعتبر «كاسلريه» الإجراءات التي أشار إليها في تعليماته إلى «فوكس» (أي حصار الموانئ وتعطيل التجارة العثمانية) ضرورية من حيث ضغطها على يد الباب العالي لجعل الطريق أكثر تمهيدا لنجاح المهمة المكلف بها «باجيت»، ثم إنه كان في ضوء هذه الترتيبات الجديدة أن وجد «كاسلريه» لزاما عليه أن يبعث بتعليمات أكثر تفصيلا بصدد الدور الذي صار من الواجب على «فريزر» وجيشه بالإسكندرية قصر نفسه عليه في الموقف الراهن، يحدو «كاسلريه» والحكومة الإنجليزية إلى هذا ذلك التغيير الذي طرأ على استراتيجية الحرب في البحر الأبيض، كما تراها وزارة بورتلاند، والذي ترتب عليه إعادة النظر في وضع حملة «فريزر» برمته على أساس أن بقاء هذه الحملة في الإسكندرية يحول دون استخدام قسم من الجيش البريطاني في عمليات وميادين أخرى أكثر أهمية متصلة بالحرب ضد نابليون، والتي كان من عوامل النجاح فيها في نظر البريطانيين احتفاظهم بصقلية لضمان سيطرتهم البحرية في البحر الأبيض ولمناوأة الفرنسيين في إيطاليا، ولأنه حتى تستطيع حملة «فريزر» الاحتفاظ بالإسكندرية، لا مفر من إرسال نجدات قوية لها يضعف إرسالها جيش الجنرال «فوكس» في صقلية، وأخيرا لأن الغرض من إرسال هذه الحملة لم يكن سوى احتلال الإسكندرية فحسب، وليس احتلال البلاد بأسرها، ولما كان «فوكس» قد بعث في 6-8 أبريل، ينقل إلى «وندهام» خبر الاستيلاء على الإسكندرية مصحوبا بتقارير «فريزر» عن هذا الحادث، وهي تقارير طلب فيها صاحبها إمداده بنجدات كثيرة، حتى يتمكن من احتلال رشيد والرحمانية، ولما كان «فوكس» نفسه وهو ينقل هذا الخبر إلى «وندهام» قد ذكر أنه سوف يبذل قصارى جهده لإجابة «فريزر» إلى مطلبه، بإرسال نجدات إليه من صقلية، الأمر الذي لا يجب أن يفوت الوزير أنه سوف يضعف الجيش الذي تحت قيادته مباشرة، إذا اضطر إلى إرسال نجدات أخرى منه إلى «فريزر»، أو طلب من هذا الجيش القيام بأي عمل آخر، عدا الدفاع عن صقلية فحسب، فقد اضطر «كاسلريه» إلى الكتابة بإسهاب في 17 مايو؛ لبيان خطة الحكومة، وتحديد المسلك الواجب على «فريزر» اتباعه، ولتعليمات «كاسلريه» الجديدة هذه أهمية بالغة، من حيث إنها حددت موقف الحكومة الإنجليزية نهائيا ليس من احتلال الإسكندرية فحسب، بل وكذلك من تقرير مصير هذه البلاد برمتها في نظر السياسة الإنجليزية، حينما صارت الحكومة الإنجليزية مستعدة من الآن فصاعدا للتخلي عن فتوحها في مصر، نظير حمل الباب العالي على العودة إلى موقف الحياد الذي وقفه سابقا في النضال بين إنجلترة وفرنسا، وفضلا عن ذلك، فإنه لا تلبث أن تزداد أهمية هذا التحديد الذي مرده في واقع الأمر لم يكن أصلا إلا إلى ارتباط حملة «فريزر» ذاتها، وعندما نشأ التفكير في إرسالها لاحتلال الإسكندرية بتقلبات الموقف السياسي والعسكري في أوروبا، وعلى وجه الخصوص في إيطاليا والبحر الأبيض، إذا عرفنا أن «كاسلريه» عندما أرسل تعليماته إلى «فوكس» في 17 مايو 1807 كان هو وزملاؤه في الوزارة لا يزالون يعتقدون أن جيش «فريزر» منتصر في مصر؛ لأن أخبار هزائمه لم تبلغ العاصمة البريطانية إلا خلال الأسبوعين الأولين من شهر يونيو، فقد ذكرت هذه التعليمات وللمرة الأولى أن من الواجب التهيؤ للرحيل، والانسحاب من الإسكندرية، والامتناع عن إقامة العراقيل التي قد تعطل هذا الانسحاب عند تقريره.

وثمة ملاحظة أخرى مترتبة على هذا التحول الذي حدث في الاستراتيجية الجديدة على عهد وزارة «بورتلاند» هي عدم التورط بحال من الأحوال مع البكوات المماليك بصورة تعيد إلى الأذهان ما حدث أيام الجنرال «هتشنسون» وارتباطات هذا الأخير معهم (1800-1801) التي جعلت السياسة الإنجليزية تسير حتى هذا الوقت في الطريق التي عرفناها، فأرادت الحكومة الإنجليزية إطلاق يدها الآن، وإزالة أي عراقيل من هذا القبيل، قد تمنعها من تنفيذ الإخلاء والجلاء عن الإسكندرية عندما يتقرر ذلك نهائيا، بالسرعة التي تريدها من أجل تحقيق أغراض وغايات أعظم أهمية في نظرها من التردي في مثل هذه البؤرة، فكان هذا تحولا جديدا في سياسة إنجلترة في مصر في هذه الفترة، تخلى الإنجليز بسببه عمليا عن البكوات، حتى إنه حينما جاء موعد الاتفاق الأخير على إخلاء الإسكندرية وتسليمها إلى محمد علي، لم يذكر المندوبون الإنجليز شيئا عن ضرورة رعاية مصالح هؤلاء أو حتى تأمينهم على سلامتهم.

وأما «كاسلريه» فقد كتب إلى «فوكس» في رسالته هذه إليه بتاريخ 17 مايو، أنه قد وصلته رسالة «فوكس» المؤرخة في 6-8 أبريل، ومعها تقارير «فريزر» عن الاستيلاء على الإسكندرية في 20 مارس، ولكنه يبدو له مما جاء في هذه الرسائل أن «فريزر» قد شعر فور وصوله إلى مصر أنه مرغم حتى يؤمن غذاء أهل الإسكندرية والجند الذين تحت قيادته بها، على إرسال قوة لاحتلال رشيد والرحمانية، وأنه اعتبر ضروريا في هذه الظروف أن يذكر في عبارات قوية أهمية حصوله على نجدات تمكنه من الاحتفاظ بالمواقع التي يعتبرها جوهرية لاحتلال البلاد النافذ، وللدفاع عن الإسكندرية في حالة هجوم عدو قوي عليها، وكذلك يبدو من رسالة الميجور «مسيت» بتاريخ 22 مارس إلى الزعماء المماليك أنه قد حدث إبلاغهم بالرغبة التي يشعر بها قائد القوات البريطانية في مساعدة الأحزاب في هذه البلاد التي قد تكون راغبة في إنشاء صلات ودية دائمة مع بريطانيا، مع بيان المصلحة التي لهم في ربط أنفسهم ببريطانيا العظمى كالوسيلة الوحيدة التي يمكن بها إطلاقا تحقيق غاياتهم، ثم دعوتهم لإرسال شخص موثوق به إلى الإسكندرية ليدلوا إلى «فريزر» برغباتهم وما يريدونه، وهنا يشير «كاسلريه» إلى رسالة «مسيت» إلى البكوات إبراهيم وعثمان حسن وسائر زملائهما والكشاف كذلك، وقد سبق ذكر هذه الرسالة.

ثم استطرد «كاسلريه» يقول: على أنه يخشى مما ذكر أعلاه أن احتلال الإسكندرية الذي كان الغرض أصلا من صدور القرار به ليس للتمهيد إلى احتلال أوسع لمصر، وإنما لمجرد وضع حامية بريطانية في أحد المراكز البحرية الرئيسية للاحتراس بصورة أكثر جدا ونفاذا، ضد تمكين الفرنسيين من وضع أقدامهم في هذه البلاد، يخشى أن هذا الغرض لا سيما إذا جعلنا أنفسنا نتدخل تدخلا أكثر مما ينبغي في شئون البلاد السياسية المحلية، سوف ينجم عنه إذا تحول عن هدفه الأصلي إرهاق مواردنا العسكرية بمطالب أكثر من تلك التي كنا نتوقعها عندما تقرر في أول الأمر إرسال هذه الحملة (حملة «فريزر»)، ولا أجد ما يدعوني إلى أن أذكر لكم مبلغ ما تأثرت به فعلا من جراء فصل هذا القسم من الجيش وإرساله إلى مصر، وتعطلت بسببه قدرتنا على القيام بأية عمليات جدية ضد العدو في البحر الأبيض، بل أن من شأن تجاوز أغراضنا المحددة باحتلال الإسكندرية وتأمينها إلى العمل من أجل احتلال مصر، أن تتحطم تماما الآن كل قدرة لنا على الانتفاع من أي فرصة قد تسنح للعمل في إيطاليا، وربما كان ضروريا إذا أخذنا بعين الاعتبار هذا الغرض المحدود من إرسال حملة «فريزر»، وبخاصة عند هبوطنا الأول إلى البر وحتى تستقر الأمور، احتلال بعض المراكز ذات الأهمية الجوهرية والمتصلة بالهدف الأساسي، ثم إنه قد يكون لازما طوال مدة إقامتنا بالبلاد، إنشاء صلات مع أولئك الذين لهم السلطة والنفوذ، واسترضاؤهم لتأييد مصالحنا بوسائل من ذلك الطراز الذي لا يقيدنا بارتباطات تتعارض مع المبادئ التي يجب أن تشكل في آخر الأمر مسألة بقائنا في هذه البلاد، ولكنه من الأهمية بمكان عند اتخاذ مثل هذه الخطوات أن يدخل الضابط المتولي القيادة في حسابه الاعتبارات العامة التي قد يتشكل بفضلها مسلك حكومة جلالة الملك البريطاني بعدئذ، وأن يتجنب بكل ما وسعه من جهد اتخاذ طائفة من الإجراءات التي قد تورطه هو وحكومته في مصاعب وارتباكات في آخر الأمر، ثم بين «كاسلريه» القواعد التي يجب على مثل هذا الضابط (والمقصود هنا «فريزر») الاسترشاد بها، فقال: أولا: حتما لا يجب أن يبني مسلكه على انتظار نجدات لا يمكن - تبعا لما تتطلبه أغراض أخرى، ولا تقل أهمية عن هذه - إعطاؤها إياه دون حدوث أقصى إزعاج وإرباك ممكن، وسبب أكثر من هذا لإمكان الاحتراس من ذلك، إذا اتسم التصرف بطابع الحكمة، هو انتفاء ما يدعو إلى الخوف من وقوع هجوم من جانب فرنسا بحرا، في حين أن أية قوات معادية في وسع الأتراك أن يجمعوها في داخل البلاد، لا يمكن أن تكون كبيرة، ويتعذر على جيش بريطاني من ستة آلاف رجل يعاونه أسطول متفوق التغلب عليها، وثانيا: ومن الأهمية بمكان أن يدخل هذا الضابط في حسابه أن حكومة جلالة الملك غير متهيئة لامتلاك مصر امتلاكا دائما على أساس معاهدة عند عقد الصلح؛ ولذلك فحيث إن العمل من أجل تحقيق أغراض عسكرية ذات أهمية أعظم في جهات أخرى أو أن نتيجة المباحثات المعلقة الآن مع الباب العالي قد يفضيان حتى والحرب لا تزال دائرة إلى تقدير الحكومة الإنجليزية سحب جيشها من الإسكندرية، صار لزاما على «فريزر»، وبكل ما وسعه من جهد، اجتناب أية إجراءات قد تجعل هذه الخطوة عند اتخاذها متعارضة مع شرف وأمانة أولئك الذين في خدمته (أي وزرائه).

Page inconnue