L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)

Muhammad Fuad Shukri d. 1392 AH
173

L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genres

واعتقد «دروفتي» أن المشايخ والعلماء وأصحاب الأملاك من أعيان القاهرة الذين تورطوا في تلك الثورة التي أفضت إلى المناداة بولاية محمد علي ثم آزروه أثناء أزمة النقل إلى سالونيك، هم الذين وجب أن يستبد بهم الخوف أكثر من غيرهم من انتصار الإنجليز الذي يتبعه حتما انتصار المماليك، واسترجاعهم لسلطانهم السابق في حكومة مصر، وعودتهم إلى القاهرة، وتوقع «دروفتي» لذلك أن يلقى كل معاونة منهم، ولا سيما السيد عمر مكرم في استنهاض همة القاهريين وحثهم على الاستعداد للمقاومة، إذا زحف الإنجليز على القاهرة، ولكن «دروفتي» سرعان ما صدم في آماله عند مقابلته للسيد عمر وحديثه معه، فقد كتب إلى «سباستياني» في 26 مارس: «والسيد عمر مكرم المتورط بدرجة خطيرة مع البكوات (ومن المتوقع لذلك أن يسيء هؤلاء معاملته إذا دخلوا القاهرة) لا ينشط - كما يبدو لي - ذلك النشاط الذي تتطلبه الظروف الراهنة، ولعل السبب في ذلك فلاح الوكلاء الإنجليز في كسبه إلى جانبهم، فقد أعطاه هؤلاء كل الضمانات التي يطلبها منهم لحماية شخصه وأمواله، فإذا كان هذا هو الواقع، فإن محمد علي لا يستطيع الاعتماد على مؤازرة أهل القاهرة له؛ لأن هؤلاء بسبب إرهاق الأرنئود لهم لن يقبلوا على مساعدتهم والدفاع عنهم؛ حتى يتخلصوا من ظلمهم واستبدادهم بالأهلين»، وقد شكا «دروفتي» بعد ذلك بيومين من مسلك عمر مكرم الذي بلغه عنه أنه أخفى عنده الترجمان الإنجليزي يوسف عزيز الذي يقوم بأعمال القنصلية العامة في القاهرة، بعد أن كان قد طلب جواز مرور للذهاب إلى رشيد وحصل عليه، ثم علق على هذا الحادث بقوله: فإذا كان هذا صحيحا، فلا مجال للشك عندئذ في أن هذا المهيج الشعبي المقتدر قد انحاز إلى الإنجليز وكسبه هؤلاء إلى جانبهم، وأنه أراد العثور على وسيلة يأمن بها على سلامة نفسه، الأمر الذي يفسر مسلكه في هذه اللحظة وهو مسلك يكاد يكون طابعه عدم الاهتمام التام.

ويتضح مبلغ تخاذل القاهريين ومشايخهم وخصوصا عمر مكرم، ثم تخاذل الجند ورؤسائهم الذين كانوا بالقاهرة وقت هذه الأزمة، بل ومبلغ اليأس الذي استولى على كتخدا بك وديوان أفندي بسبب هذا التخاذل من الأقوال التي أدلى بها يوسف عزيز الترجمان الأول للبعثة الإنجليزية في مصر، ووكيل الميجور «مسيت» في القاهرة، عندما دار البحث أو التحقيق في صقلية بعد فشل حملة «فريزر» نهائيا في أسباب هزيمتها ، وكان يوسف عزيز من بين الأسرى الإنجليز الذين غادروا القاهرة في 14 سبتمبر، فقد سئل هذا عن موقف سكان القاهرة عند نزول الإنجليز في الإسكندرية، وعن موقف الجنود العثمانيين، كما سئل عن كتاب بعث به قنصل روسيا والنمسا العام في مصر «ماكاردل»

Macardle

بناء على طلب عمر مكرم - إلى «مسيت» وقادة الحملة الإنجليزية بالإسكندرية، فأجاب بما يلي: أظهر جميع أهل القاهرة فرحهم بصورة علنية لوصول الإنجليز، وفي اليوم التالي لإذاعة خبر نزول هؤلاء إلى الإسكندرية من سفنهم، بدأ القاهريون يردون إهانات الأرنئود الذين اعتاد هؤلاء توجيهها لهم بقولهم للأرنئود: إن الإسكندرية قد احتلها جند أوروبيون، ثم إن رؤساء الشريعة أنفسهم أي العلماء والمشايخ كانوا متفقين فيما بينهم على عدم السماح للجنود العثمانيين بدخول القاهرة إذا عاد هؤلاء منهزمين على يد الإنجليز، بل إنهم رفضوا تلبية طلب الحكومة منهم أن يأمروا السفن بالتسلح.

ثم إن عددا من رؤساء الجند الأرنئود اتفقوا فيما بينهم كذلك على الذهاب إلى إمبابة، وانتظار الجيش الإنجليزي بها؛ وذلك حتى يطلبوا من القائد الإنجليزي وقد ألقوا بسلاحهم أن يأذن بنقلهم هم وأتباعهم وأموالهم وعتادهم إلى «تريستا»، أو إلى أي مكان آخر يكون فيه في مأمن من انتقام الحكومة العثمانية منهم، وقد بلغ عدد الجنود العثمانلي والأرنئود الذين تركوا سلاحهم عندما بلغهم وصول الإنجليز إلى الإسكندرية ألفا وخمسمائة، وقد أخفى هؤلاء أنفسهم في بيوت المدينة في الأحياء الأكثر عزلة عن غيرها، ولم يجرءوا على الظهور إلا بعد وصول الأسرى الإنجليز إلى القاهرة، وأما حسن باشا وكثيرون من الرؤساء الأرنئود غيره فقد أخفوا أموالهم حتى أثاث منازلهم، وعندما شهد كتخدا بك «طبوز أوغلي» وديوان أفندي ما أبداه الأهلون من فرح ظاهر بقدوم الإنجليز إلى الإسكندرية، بادر كلاهما بحزم أمتعتهما، وأعدا الهجن اللازمة لنقل عتادهما إلى الشام، وهو المكان الذي انتويا الالتجاء إليه والنجاة بأنفسهما، وقد صادرت حكومة القاهرة - بعد قليل من وصول الإنجليز إلى الإسكندرية - خطابا بالشفرة، كان قنصل النمسا وروسيا العام «ماكاردل» يحاول إرساله إليهم، أكد يوسف عزيز الذي كان يقيم مع «ماكاردل» في منزل واحد أن هذا الأخير قد كتبه بناء على رجاء السيد عمر مكرم له وجماعة آخرين من رؤساء المشايخ والعلماء، وذلك ليؤكدوا لمسيت و«فريزر» صدق نواياهم الطيبة نحو الإنجليز.

ومع ذلك فقد كانت لا تزال لدى «دروفتي» بارقة أمل في إمكان استنهاض همة عمر مكرم وسائر المشايخ أصحاب النفوذ الكبير على القاهريين، ثم رجال الحكومة لأن هؤلاء جميعا - كما قال - كانوا يعتقدون أن الإنجليز لن يستمروا طويلا في احتلال البلاد، وأن الفرنسيين سوف يرسلون - لا محالة - جيشا لطردهم منها، وقد سعى «دروفتي» جهد طاقته حتى يؤكد هذا الاعتقاد الذي من شأنه - على الأقل - إحباط نشاط أعدائنا، وتمكين الباشا من العمل من غير خوف من حدوث ثورة داخلية، ثم بعث «دروفتي» برسول إلى الصعيد يحمل تعليمات إلى رجال موثوق بهم من جماعتي سليمان بك الجرجاوي وشاهين بك البرديسي لحمل هذين على الوقوف موقف الحياد في هذه الأزمة.

وزادت المتاعب في القاهرة عندما لجأ إليها الكثير من أهالي الفيوم وهم في أسوأ حال من الشتات والعري مما فعل بهم ياسين بك، وكان ياسين بعد انهزامه على يد الألفي في الفيوم في أكتوبر 1805، وهربه مع جماعته للانضمام إلى سليمان بك المرادي، قد بعث يطلب من البكوات - هو وكاشف الفيوم الذي أعلن هو الآخر عصيانه على محمد علي - مرتبات للجند في آخر عام 1806، فلما لم ينالا شيئا أرسلا إلى الباشا مندوبين عنهما يسألونه الصفح عنهما، وقد تقدم كيف أن الباشا قد قبل رجاءهما وصفح عنهما في ديسمبر من ذلك العام، ولكن ياسين استمر يعيث فسادا في الفيوم، وانتهز فرصة انشغال محمد علي بمسألة بكوات الصعيد، ثم مجيء حملة وصل بأسطوله إلى أبي«فريزر»، فعول على تجربة حظه وامتلاك القاهرة؛ لأنه حقد على محمد علي دائما - وهو الأرنئود مثله والذي اعتبره ياسين مغامرا من طرازه هو نفسه - وصوله إلى الولاية؛ وعلى ذلك، فإنه لم يمض يوم على وصول لاجئي الفيوم إلى القاهرة حتى كان هو قد وصل إلى ناحية دهشور في 27 مارس، وأرسل مكاتبة إلى السيد عمر مكرم والقاضي عارف أفندي وسعيد أغا وكيل دار السعادة يذكر فيها: أنه لما بلغه وصول الإنجليز أخذته الحمية الإسلامية، وحضر وصحبته ستة آلاف من العسكر؛ ليرابط بهم بالجيزة أو بقليوب، ويجاهد في سبيل الله، فكتبوا له أجوبة مضمونها إن كان حضوره بقصد الجهاد فينبغي أن يتقدم بمن معه إلى الإسكندرية، وإذا حصل له النصر، تكون له اليد البيضاء والمنقبة والذكر والشهرة الباقية، فإنه لا فائدة بإقامته بالجيزة أو قليوب وخصوصا قليوب بالبر الشرقي.

وفي 28 مارس كتب «دروفتي» أن كتخدا بك قد أرسل جندا إلى رشيد ودمنهور بقيادة طاهر باشا وبونابرتة الخازندار، بينما يستعد حسن باشا للخروج إلى الوجه البحري، ثم علق على ذلك بقوله: ولكن غياب محمد علي يؤثر على كل هذه الحركات، فهي بطيئة، وحتى إن «دروفتي» طلب الذهاب بنفسه إلى محمد علي، ولكن «طبوز أوغلي» وسائر رجال الحكومة منعوه من الذهاب، وطلبوا إليه البقاء في القاهرة؛ لأن وجوده بها مرغوب فيه في الظروف الراهنة، وعندئذ أعاد «دروفتي» الكرة على كتخدا بك بشأن إرسال ططري إلى القسطنطينية، ولكن هذا رفض إرساله قبل حضور محمد علي الذي قال إنه سوف يكون قريبا، وأما الأخبار التي جاءت القاهرة عن محمد علي وقتئذ فكانت مطمئنة، إذ أكد له «طبوز أوغلي» أن الباشا قد انتصر على المماليك، وفاجأ جنده معسكر شاهين بك الألفي، وهزموه، وأن الباشا قد انتصر كذلك في معركة قريب أسيوط، استولى بفضلها على هذه البلدة، وأن إبراهيم بك وعثمان بك حسن لم يشتركا في هذه المعركة، وآثرا الانسحاب إلى الجبال، وأكد كتخدا بك أن عثمان حسن قد عقد صلحا منفردا مع الباشا الذي كساه بالفرو، وأعطاه لقب أمير الحج، وأن شاهين الألفي وحده هو الذي استجاب لنداءات الإنجليز، ونزل من الصعيد قاصدا إلى إقليم البحيرة.

وكان مجيء ياسين بك إلى جهة دهشور، واعتزامه الإقامة بجنده بالجيزة أو قليوب سببا في عدم خروج حسن باشا إلى إقليم البحيرة، فقد استقر الرأي على أن يقيم حسن باشا بالجيزة لئلا يأتي ياسين بك ويملكها، فعدى حسن باشا يوم 30 مارس وأقام بها وأعرض عن السفر إلى جهة البحيرة.

ولما كانت قد جاءت الأخبار من محمد علي بعزمه على الرجوع إلى القاهرة قريبا، حيث إن العساكر يطالبون بالعلائف، ويأمر رجال حكومته بتحصيل ذلك، وتنظيمه ليتسلموها عند حصولهم بمصر، ويتجهزوا لمحاربة الإنجليز، فقد صار في وسع الكتخدا بك الموافقة على إرسال الططري إلى القسطنطينية على نحو ما طلب «دروفتي»، لا سيما وأن «طبوز أوغلي» لم يلبث أن وقف على المعلومات التي أرادها عن مسلك حامية الإسكندرية عندما جاءت رسالة من أهل دمنهور في 2 أبريل خطابا إلى السيد عمر النقيب مضمونه أنه لما دخلت المراكب الإنجليزية إلى الإسكندرية هرب من كان بها من العساكر وحضروا إلى دمنهور، وقد حملت هذه الرسالة - علاوة على ذلك - أنباء على درجة بالغة من الخطورة عن موقف حاكم دمنهور نفسه، وتعرض هذه للغزو وعجزها عن الدفاع إذا زحف الإنجليز عليها، فإن كاشفها ومن معه من العسكر عندما شاهدوا هؤلاء العسكر يحضرون إلى دمنهور انزعجوا انزعاجا شديدا وعزموا على الخروج من دمنهور، فخاطبهم أكابر الناحية قائلين لهم كيف تتركوننا وتذهبون ولم تروا منا خلافا؟! وقد كنا فيما تقدم من حروب الألفي من أعظم المساعدين لكم، فكيف لا يساعد الآن بعضنا بعضا في حروب الإنجليز؟! فلم يستمعوا لقولهم لشدة ما داخلهم من الخوف، وعبوا متاعهم، وأخرج الكاشف أثقاله وجبخانته ومدافعه وتركها وعدى، وذهب إلى فوة من ليلته، ثم أرسل في ثاني من أخذ الأثقال، ثم إن القواد الذين أرسلهم «طبوز أوغلي» لمحاربة الإنجليز لم يلبثوا أن صرفوا نشاطهم لفرض الإتاوات والمغارم على البلاد التي مروا بها، فنزل بونابرتة الخازندار على القليوبية، وفعل ما أمكنه وقدر عليه بالبلاد من السلب والنهب والجور والكلف والتساويف حتى وصل إلى المنوفية، وكذلك طاهر باشا الذي سافر في أثره، وإسماعيل كاشف المعروف بالطوبجي فرض على البلاد جمالا وخيولا وأبقارا وغير ذلك، وإسماعيل الطوبجي هو كاشف المنوفية.

Page inconnue