L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)

Muhammad Fuad Shukri d. 1392 AH
154

L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

Genres

Domingo Badia Y Leblich

اعتنق الإسلام سواء عن عقيدة وإيمان أو لمجرد نيل مآربه، زار وجاقات الغرب ومصر وبلاد العرب، وتسنى له بفضل معرفته للغات الشرق وعادات أهله أن يعيش بينهم كأي مسلم آخر، وادعى أنه ينحدر من العباسيين، ومن هنا كان لقب العباسي الذي اتخذه لنفسه، ولقد أحاط علي بك نفسه بمظاهر الثراء العريض، واستطاع أن يطرق أبواب علية القوم، وظل أمره سرا مكتوما زمنا طويلا، تحدث عنه الكاتب الفرنسي «شاتوبريان»

Chateaubriand

في مؤلفه عن رحلته إلى بيت المقدس، وقد قابله «شاتوبريان» بالإسكندرية في نوفمبر 1806 أثناء عودته من بيت المقدس وهو في طريقه إلى تونس ثم إسبانيا قبل أوبته إلى فرنسا، ومن الثابت أن علي العباسي أو «باديا» كان جاسوسا أو وكيلا سريا «لتاليران» كما عمل بعد ذلك جاسوسا للملك الفرنسي لويس الثامن عشر، وقد نشرت أسفاره في إفريقية وآسيا أثناء سنوات 1803-1807 في باريس عام 1814.

على أن ما أبداه «مسيت» من نشاط أثناء أزمة النقل إلى سالونيك لإخراج محمد علي من الولاية كان يفوق كثيرا ما بذله من جهود سابقة سواء فيما انطوى عليه من ختل ومخادعة من حيث علاقات «مسيت» نفسه مع محمد علي، أو ما اقترن به من جهود مضنية من حيث محاولته تأييد قضية الألفي لدى القبطان باشا واستنهاض همة المماليك على الاتحاد عموما، ثم تقوية الألفي وحثه على الصمود في نضاله ضد محمد علي، ولو أن الفشل كان نصيب هذه الجهود جميعها.

ويؤخذ من موقف «مسيت» في هذه الأزمة أن تغييرا ما لم يطرأ على الدوافع التي جعلته يناصب محمد علي العداء قبل مجيء القبطان صالح باشا، فهو لا يزال يريد إنشاء حكومة مملوكية تمهد لاحتلال الإنجليز لهذه البلاد، وهو لا يزال يلفت نظر حكومته إلى ضعف التحصينات بالإسكندرية وبالمواقع الأخرى على الشاطئ الشمالي، ويستحثها على إرسال جيشها إلى الثغر كخير وسيلة لدفع الغزوة الفرنسية المنتظرة عنها، وهو لا يزال يريد أن يجمع البكوات كلمتهم حتى يفيدوا من الاتفاق الذي حدث مع مندوبي الألفي بالقسطنطينية والذي يسترجعون بفضله سلطانهم السابق في حكومة هذه الولاية، وهو لا يزال يريد طرد محمد علي والأرنئود.

ولذلك فإنه ما إن ذاع خبر قرب وصول القبطان باشا بعمارته إلى المياه المصرية حتى راح يلفت نظر «وندهام» وزير الحربية وقتئذ - في 18 يونيو 1806 - إلى خلو الإسكندرية والشواطئ المصرية من وسائل الدفاع، وإلى الانقسامات السائدة بين طوائف المماليك، وإلى ما يبعثه امتلاك العدو أو الفرنسيين لمعظم الشواطئ الإيطالية وموانئها من خوف وقوع الغزو على مصر لا سيما وأن الوكلاء الفرنسيين في مصر يحيكون المؤامرات لجذب جماعات من المسيحيين المقيمين بالإسكندرية لخدمة مآربهم، بينما لا يبدو من جانب إنجلترة أي اهتمام بمصر، الأمر الذي جعل الأهالي يعتقدون أن هذه الدولة لا تعبأ بمصير البلاد بدليل أنها ممتنعة عن إرسال سفينة حربية إنجليزية إلى الإسكندرية مع وجود أسطول كبير لها في البحر الأبيض.

وبعد أيام قلائل من وصول القبطان باشا إلى الإسكندرية، بعث «مسيت» في 9 يوليو بتهانيه إلى إبراهيم بك على التغيير الذي سوف يحدث في مركزه ويقول: إن استعادة المماليك لوضعهم السابق سوف يحقق النفع للجميع ولا يريد حدوث ذلك إنسان أكثر مما يريده «مسيت» نفسه، ويوصيه بالاتحاد مع سائر زملائه لإمكان طرد محمد علي من الولاية، ويعتذر عن عدم قدرة السفير الإنجليزي بالقسطنطينية على التوسط بين مندوبي الألفي والديوان العثماني لرفض هذا الأخير لوساطته، وأرسل كذلك تهانيه للبرديسي وعثمان حسن، ولكنه لما كانت قد قامت مفاوضات طويلة بين بكوات الصعيد الذين لم يرضهم الاتفاق الذي أعطى كل السلطة الفعلية إلى الألفي وبين هذا الأخير، وظهرت مراوغة محمد علي ثم تصميمه على التمسك بولايته، فقد بعث «مسيت» إلى «أربثنوت» في 14 يوليو يحذره من مساعي الباشا في القسطنطينية ويقول: «إن أغراض العدو (الفرنسيين) العدوانية ضد مصر، وهي أغراض معروفة جيدا، لا تدع مجالا للشك في أن كل الجهود التي سوف يبذلها وكلاء العدو من أجل الإبقاء على أوضاع يترتب عليها إحياء روح النزاع الذي حرك مكامن الاضطراب في هذه البلاد من مدة طويلة بعنف وقسوة، من شأنها أن تجعل غزو مصر سهلا ميسرا.»

ثم أزعج «مسيت» ما لاحظه من بوادر إخفاق القبطان باشا في مهمته بسبب ما ترامى إليه على وجه الخصوص من حصول هذا الأخير على خمسين ألفا من الجنيهات من محمد علي، فكتب إلى «أربثنوت» في 31 يوليو، يعزو نجاح محمد علي إلى ما يلقاه من نصح وإرشاد من جانب الوكيل الفرنسي «دروفتي» الذي قال عنه: «إنه أبدى أخيرا نشاطا عظيما في مساعدة محمد علي ونصحه.» يبغي من ذلك تعزيز قضية فرنسا، وهي الدولة التي كما استطرد يقول: «سوف تظفر بنفوذ كبير في مصر لو أن محمد علي تثبت في حكومته هذه البلاد.» وأراد «مسيت» في الوقت نفسه أن يجس نبض محمد علي ليقف على مدى تمسكه بالولاية، كما أراد التمويه عليه بالتظاهر بصداقته له، فأبلغه سرا أن الباب العالي ولو أنه يريد إعطاءه باشوية سالونيك بدلا من باشوية القاهرة ولكنه لن يستخدم القوة في تنفيذ هذا النقل، فلم يلبث محمد علي أن أجاب بصوت عال - على حد ما ذكر «دروفتي» لتاليران في 30 يوليو - إنه لا يخشى أحدا ولا القبطان باشا نفسه، بل إنه على استعداد كامل لمقاومة الأوروبيين أنفسهم إذا أرادوا المجيء لنجدة البكوات، وقد كان عندئذ أن سأل الباشا «دروفتي» إذا كان في مقدور فرنسا تزويده بحوالي الخمسمائة جندي من جيشها في بلادها أو في إيطاليا، ووعد «دروفتي» بإحالة هذه المسألة على الوزير «تاليران».

وعندما ترك الألفي الفرصة تفلت من يده باستئناف ضرب الحصار على دمنهور بعد انتصاره في معركة النجيلة، وظهر امتناع دمنهور عليه بالرغم من مدفعيته الكبيرة التي جلب الوكلاء الإنجليز لخدمتها كثيرين من الطليان واليونانيين، أبلغ «مسيت» الوزير «وندهام» في 14 أغسطس أن محمد علي قد تتكلل مساعيه بالنجاح في القسطنطينية، وقد يتمكن من الحصول على فرمان يثبته في الولاية بفضل المساعدة التي يلقاها من الوزير الفرنسي الذي أوصى القائم بأعمال السفارة الفرنسية في القسطنطينية بتأييد مصالح الباشا، ثم قال: «إن الفوضى التي ستنجم عن تثبيت محمد علي سوف تعرض البلاد لخطر الغزو الفرنسي، وفضلا عن ذلك، فسوف يترتب على هذا التثبيت أن يظفر الفرنسيون بنفوذ عظيم في مصر مما يعود بأسوأ النتائج على بريطانيا العظمى في المستقبل.» ثم اختتم رسالته بقوله: «والخوف من ذلك كله هو الذي يجبرني جبرا على أن أعرض عليكم ملامة توجيه سفير حكومة جلالة الملك بالقسطنطينية بأن يسعى جهد طاقته لنيل إبعاد محمد علي.» ثم تزايد غضب «مسيت» عند إخفاق المحاولات التي بذلت للتوفيق بين بكوات الصعيد وبين الألفي، حتى يسهم الأولون في المبلغ الذي نص على دفعه ثمنا للاتفاق بين مندوبي الألفي وبين الديوان العثماني، ثم بسبب ما شاهده من تدفق الجنود الذين جلبهم محمد علي من الخارج لتعزيز قواته، وامتناع القبطان باشا ورجاله عن مقاومة نزول هؤلاء في الموانئ المصرية، سواء كان مبعث هذا الامتناع الإهمال أو الارتشاء، فقال «مسيت»: «إن مسلك القبطان باشا يهزم أغراض سلطانه النافعة.» وبعث يطلب من «وندهام» في 8 سبتمبر مركبا حربيا للتجول في المياه المصرية وزيارة الإسكندرية والشواطئ المصرية والشامية.

Page inconnue