L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
ولم يفت على خسرو مغزى امتناع محمد علي عن الاشتراك في معركة دمنهور، وكان مما زاد في حنقه عليه أنه اعتبر «محمد علي» مدينا له بكل شيء، فأضمر له العداوة والكراهية في ذلك الوقت، بل وحاول البطش به عند عودته بعد ذلك من دمنهور، فطلب حضوره في «المساء» إلى القلعة، ولكن «محمد علي» أجابه بأنه يحضر في «وضح النهار» ومعه جنده.
وأما المماليك فإنهم لم يستفيدوا من النصر الذي أحرزوه لعدم زحفهم على القاهرة مباشرة، فآثر البرديسي وزملاؤه أن يجعلوا مركز عملياتهم العسكرية قريبا من الإسكندرية ومن أصدقائهم الإنجليز، ولم يحاولوا الانضمام إلى بكوات الصعيد لتعزيز قوات هؤلاء بهم في وقت كان للأتراك فيه بالصعيد ثلاثة مراكز رئيسية : في المنيا وأسيوط وجرجا ، ولكن الإنجليز ما لبثوا أن أخلوا الإسكندرية وغادرها أسطولهم في 16 مارس سنة 1803، وتسلم أحمد خورشيد باشا حكومتها في اليوم التالي، وكان قد عينه خسرو في هذا المنصب، فأنهى جلاء الإنجليز تردد البكوات فانسحبوا من دمنهور إلى الصعيد، وكان أول أثر لانسحابهم سقوط «المنيا» التي هاجمها البرديسي مع إبراهيم بك.
وكان للمنيا أهمية «استراتيجية» كبيرة؛ لوقوعها على مسافة أربعين فرسخا من حدود الصعيد السفلى، ولتحكمها - إذا وجدت بها حامية قوية - على الملاحة في النهر الأعلى بسبب ضيق مجرى النهر أمامها؛ الأمر الذي يترتب عليه عند استيلاء العدو عليها قطع المواصلات النهرية بين الصعيد وسائر الأقاليم الوسطى والبحرية وتقسيم البلاد إلى شطرين، كما يؤدي سقوطها إلى سقوط أسيوط وجرجا، وعلى ذلك فقد جمع البكوات قواتهم في أبريل سنة 1803، وهاجموا المنيا هجوما عنيفا لم تقو على دفعه بسبب ضعف تحصيناتها فسقطت في يد البرديسي، وبلغ الخبر القاهرة في 17 أبريل ففزع القاهريون فزعا كبيرا؛ لأنهم باتوا يتوقعون الآن عدم مجيء المؤن من الصعيد، وهي التي تعتمد عليها القاهرة في تموينها، وخاف الناس من انتشار المجاعة، وخاف خسرو من سقوط أسيوط وجرجا تبعا لتسليم المنيا فاستدعى جند طاهر باشا ومحمد علي من إقليم البحيرة إلى القاهرة.
وأخطأ خسرو عندما فرق بين جند طاهر باشا وجند محمد علي، وهم المشتبه في أمرهم، فأجاز للأولين أن يدخلوا العاصمة، بينما أبقى «محمد علي» وجنده خارجها معسكرين بالجيزة، وكان وجه الخطأ في هذا التمييز بين الفريقين في المعاملة، مع أنه لم يكن قد بدا من جانب طاهر باشا ما يدل على أنه مخلص حقا لخسرو باشا.
ثم أخطأ مرة ثانية عندما أراد إرجاع الجند الأرنئود إلى أوطانهم من غير أن يدفع لهم مرتباتهم المتأخرة، فقال «مسيت» في رسالته إلى حكومته بتاريخ 4 مايو: «إن سلوك الأرنئود المنطوي على الجبن، كما ظهر في التحاماتهم مع المماليك عدا ما يتكلفونه من نفقات طائلة، جعل الباب العالي يأمر من مدة بإخراجهم من مصر، وعندما وصل فرمان الباب العالي بذلك كان قد صار للأرنئود متأخرات كثيرة، فحصلت «الحكومة» إتاوات عظيمة من أهل البلاد لدفعها، ولكنه ما وضعت هذه المبالغ في خزينتها حتى طمع ضباط الباشا فيها ونصحوه بطرد الألبانيين (الأرنئود) دون دفع مرتباتهم، فجمع خسرو باشا قوات كافية حوله ثم استدعى إليه طاهر باشا زعيم الأرنئود ليبلغهم الأمر بإخلاء القاهرة حالا، وإلا أطلق الباشا عليهم النار إذا عصوا أمره، فكان طاهر باشا الذي آثره خسرو على محمد علي هو الذي تزعم حركة تمرد الجند وعصيانهم، فقد ثار هؤلاء في 23 أبريل يطالبون بمرتباتهم المتأخرة.»
وارتكب خسرو حماقة أخرى عندما أساء التصرف مع هؤلاء الأرنئود الثائرين، فقال «روشتي» (أو راشته كما يسميه الجبرتي) قنصل النمسا في القاهرة في رسالته إلى البارون شتورمر
Stürmer
السفير النمساوي في القسطنطينية في 30 أبريل 1803، إن خسرو باشا أحال الجنود على الدفتردار خليل أفندي الرجائي، فأحالهم هذا بدوره على محمد علي بدعوى أن محمد علي لا بد أن يكون قد جمع بعض المال من تحصيل الضرائب أثناء مروره بالوجه البحري، فلما نفى محمد علي ذلك قويت الفتنة، وحاصر الجند منزل الدفتردار (29 أبريل)، وطلب هذا من خسرو أن يعجل بفك إساره، ويدفع - دون إمهال - للجند مرتباتهم، ولكن خسرو وعد بأن يدفع بعد عشرة أيام، ورفض الجند إمهال خسرو والدفتردار.
وخيل إلى خسرو أن بوسعه المقاومة من القلعة، وعندئذ اقتحم طاهر باشا القلعة معلنا أنه إنما يفعل ذلك «تنفيذا لأوامر الباب العالي»، فكان في ذلك ختام باشوية خسرو، فكتب الوكيل الفرنسي «كاف»
Caffe
Page inconnue