L'Égypte au début du XIXème siècle 1801-1811 (Première Partie)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
ولكن كل هذه المحاولات أخفقت «ولم يفلحا في مفاوضتهما»، كما كتب «مسيت» إلى حكومته في 6 أغسطس، «لأن القبطان باشا أعلن أن لديه أوامر قاطعة بوضع محمد علي على رأس الحكومة»، وعلاوة على ذلك فقد سعى «دروفتي» لإحباط هذه المفاوضة، فقابل ترجمان القبطان باشا وأوضح له - كما قال في رسالته المؤرخة في 3 أغسطس - ضرورة أن يذكر للقبطان باشا أن الألفي عدو للحكومة الفرنسية، كما بين للترجمان أن اتحاد بكوات الصعيد مع الألفي خطوة غير عملية، الأمر الذي تدل عليه تلك العداوة التي ظهرت أخيرا من جانب الألفي نحو سليمان بك صنيعة البرديسي والإشارة هنا إلى ما فعله الألفي الذي بعد أن ارتحل من دمنهور التي أخفق في حصارها والإغارة عليها لم يلبث «أن كبس على سليمان كاشف البواب ونهب ما معه».
كما أن اتحاد الألفي وخورشيد باشا ما هو إلا إجراء مؤقت مبعثه الرغبة في انتهاز الظروف فحسب، وأن الإنجليز لا يأبهون لحقوق السيادة التي للباب العالي على مصر، بل إنهم يمدون عدو الباب العالي وهو الألفي بالذخائر، وإن إقامة أحد وكلائهم طويلا مع هذا الأخير والإشاعات التي يذيعونها من مدة طويلة عن قرب وصول جيش إنجليزي لوضع الألفي على عرش مصر؛ لمما ينهض دليلا على ذلك، وقال «دروفتي» إن هذه الحجج والدعاوى قد تركت أثرا ظاهرا - كما بدا له - على ذهن ترجمان القبطان باشا، وفي 4 أغسطس أكد «دروفتي» فشل المفاوضة وجواب القبطان باشا «أن لديه أوامر لا يحيد عنها، وأن الباب العالي قد سمى «محمد علي» واليا على مصر وخورشيد باشا واليا لجدة، وأن الأخير يجب عليه أن يذهب إلى مركزه مع سلحداره علي باشا، وأنه بمجرد عودة الهدوء إلى مصر بفضل هذا الترتيب سوف ينظر في مصير البكوات.»
وفي 5 أغسطس غادر كخيا الألفي وعلي باشا سلحدار خورشيد الإسكندرية وهما يؤكدان - كما قال «مسيت» - «أنهما بمجرد وصولهما إلى معسكراتهما المختلفة سوف يبدأ هجوم عام على القاهرة.»
ولكن في اليوم التالي لمغادرتهما الإسكندرية سلم خورشيد القلعة (6 أغسطس)، كما أن كل الهجوم الذي حدث بعد ذلك كان تلك المحاولة الخاسرة التي أوقع فيها محمد علي بالبكوات يوم 16 أغسطس، وكان هؤلاء بكوات الصعيد، ولم يشترك الألفي في هذا الهجوم.
زد على ذلك أن هذا الحادث أشاع اليأس في نفوس جند السلحدار علي باشا وعرض هؤلاء تسليم الجيزة لمحمد علي مقابل إصدار عفو عام عنهم (22 سبتمبر)، ودخل ياسين بك الأرنئودي في خدمة محمد علي، وانسحب علي باشا السلحدار للإقامة مع البكوات، ثم ذهب إلى الإسكندرية لينضم إلى خورشيد.
فكان من أثر ذلك أن زاد تمسك القبطان باشا بموقفه، فكتب إلى القسطنطينية يطلب تثبيت محمد علي في الولاية، وبذل عملاء، أو وكلاء محمد علي قصارى جهدهم في القسطنطينية لإقناع الباب العالي بتثبيت محمد علي في ولايته مستندين في ذلك إلى ما أبداه المشايخ والعلماء من رغبة ملحة في توليته، وما يعتزمه محمد علي من إصلاحات إدارية لانتظام شئون الحكم في مصر، وإلى أن السلطان في وسعه من الآن فصاعدا أن يعتمد على حكومة محمد علي في إمداده بالنجدات من المال والرجال للقتال ضد الوهابيين وإنقاذ الحرمين الشريفين.
ينهض دليلا على ذلك ما فعله محمد علي من تعيين قريبه طاهر أغا على رأس جيش معسكر خارج القاهرة، وينتظر صدور الأمر للسير فورا إلى الحجاز، وقد أفلحت هذه الأقوال مع طلب القبطان باشا تثبيت محمد علي في ترجيح كفة هذا الأخير لدى الديوان العثماني وتسليمه بالأمر الواقع، فوافق الباب العالي على ذلك، وأصدر فرمانا بتعيين خورشيد لولاية سالونيك، فغادر القبطان باشا الإسكندرية إلى أبي قير في 12 أكتوبر ليبحر منها إلى القسطنطينية في اليوم التالي، كما أبحر معه خورشيد باشا وسلحداره علي باشا، وبذلك خلص الحكم في مصر لمحمد علي.
وهكذا انتهت ولاية خورشيد باشا بعد حكم استمر ستة أشهر وأربعة عشر يوما، فكان ارتقاؤه الولاية وخلعه منها من صنع رجل واحد فقط - محمد علي - عرف كيف يتخذ من تنصيبه وسيلة لخدمة مآربه بعد أن تمهد له الطريق إلى السلطة عقب طرد البكوات من حكومة القاهرة.
ولا جدال في أن عزل خورشيد في الظروف التي شهدناها كان مبعثه ضعف الباب العالي الذي عجز عن فرض سيطرته على البلاد بسبب تلك الروح الثورية التي ظلت سائدة بها من أيام الفتح العثماني الأولى، ولقد جعل هذا الحادث خروج هذا الجزء الهام من الإمبراطورية العثمانية بصورة عملية في مستقبل الأيام أمرا مفروغا منه؛ ذلك أن خورشيد كان آخر الولاة الذين تلقوا أوامرهم من القسطنطينية مباشرة، كما أن تنحيته عن الحكم كانت الثمن الذي وجب عليه دفعه عن أخطاء حكومة ظاهرة العجز والضعف، ونعني حكومة الباب العالي.
وكان القبطان باشا صادق النظر حينما قال عند عودته إلى القسطنطينية: «لقد تركت في هذه البلاد؛ أي مصر رجلا سوف تجد فيه الإمبراطورية - ولا شك - يوما من الأيام ثائرا من أخطر الثوار على سلطانها، فلم يحدث بتاتا أن كان لسلاطيننا وال أكثر حنكة سياسية، وأعظم نشاطا وأعمق دهاء من هذا الباشا»؛ أي محمد علي.
Page inconnue