مصر بالنسبة للمصريين كالدم بالنسبة للجسم .. فلو انعدم الدم من الجسم لاختفت الخلايا والأنسجة ومات الإنسان .. كذلك لو انعدمت مصر من قلوب المصريين لماتوا كمدا وحسرة عليها! فهي بالنسبة لهم: الهواء والماء والمأكل والمشرب .. والأمل والحياة .. إنها الإلهام والوحي، والإيحاء والفكر، والتأمل والتدين والتطهر .. هي الأمان والحنان والعطف والطمأنينة.
كل من عرف مصر على حقيقتها، ويكون قد ارتبط بأرضها أو اتصل بشعبها، وتعامل مع أبنائها وأولادها، لا يمكنه أن يسلوها أو ينساها أو يرضى بغيرها بديلا، أو يرتبط بسواها .. فلمصر جاذبيتها الخاصة .. ولها مزاياها النادرة، ولها نعمها، ولها هباتها الموهوبة المرغوبة، والمطلوبة المحبوبة، التي قلما تجدها في كثير من البلاد الأخرى.
سبحانك ربي! لقد خصصت مصر بكل ما هو حبيب إلى النفس، جميل إلى العين، قريب إلى القلب، كريم إلى أهل الكرم، عظيم إلى العظماء من عبيدك المتعبدين الساجدين الخاشعين الراكعين، المؤمنين بأديانك الثلاثة .. وما أطهرها من أديان! وما أروعها هدى للعيون والأذهان والأوطان.
آه لو سئلت عن معشوقتي المصونة وجوهرتي المكنونة، وعن اسمها المحفور في قلبي. لما نطق لساني إلا بكلمة واحدة من ثلاثة أحرف: ميم فصاد فراء .. وما عداها هراء في هراء .. ليس هذا مني جفاء ولا كبرياء، ولا اجتراء أو اعتداء .. بل هو إحقاق للحق وإيمان بالواقع الملموس المحسوس.
حقا، لا حياة بغيرك يا مصر .. ولا داعي لأية حياة بدونك .. إنني راحل عنك يوما، ولكن إياك أن ترحلي أنت عني.
مصر عروس الشرق
جميع أيام مصر أفراح وليال ملاح .. فمصر في الليل متلألئة الأنوار، ساطعة الأضواء .. تغالب الشمس نورا وقوة وتزيد القمر الفضي لمعانا وبريقا.
مصر عروس الشرق، منارة هادية تشع منها أنوار الحضارة المتقدمة السابقة لعصرها وأوانها.
ولكل عروس جميلة، عيون مصر جميلة تعشقها العيون من أول نظرة، وتشتهيها النفوس من أول وهلة .. ولمصر شعر طويل في سواد الليل الداجي، ولها جبين ناصع وضاء في بياض النهار الصبوح، وخدود فاتنة في حمرة الورد الندى ...
مصر كعروس بتول خطابها كثيرون وعشاقها عديدون وأحباؤها متهافتون .. الكل يطلب يدها ويخطب ودها، ويفديها بروحه وكبده وفؤاده، ويبذل في سبيل القرب منها كل غال ورخيص.
Page inconnue