مصر هي التي علمت العالم كل شيء في كل شيء .. هي مصدر الحكمة، وهي الملهمة والرائدة في كل فرع من فروع المعرفة.
مصر القبس هي مصر النور .. هي مصر الأمل .. هي مصر الضياء .. هي هكذا معا في كل حين وعلى الدوام، وإلى الأبد.
مصر لا ينطفئ نورها عن أحد، ولا يمكن لذبالة شموعها أن تنطفئ .. إذ كيف للمعقل أن يسام أو يضام؟ وكيف للرواد أن يكبلوا ويقيدوا ويصفدوا؟
مصر عقل مضيء براق لامع يدرك ويحس قبل أن يرى ويلمس .. مصر تعلم وتعلم ولا تتكبر أو تتجبر .. إنها تسود بلا سيادة، وتقود بلا قيادة، وتهدي من كان غفلا من الهداية، وترشد من ينقصه الرشاد والإرشاد .. أنا مصري وسأظل مع مصر حتى أموت وأدفن في ترابها العزيز، بل أنا مستعد لأن ألعق ثراها الحلو، وآكل طينها الطري اللذيذ، فهو أحلى من كل طعام .. فأنا من مصر وإلى مصر أعود، أنا محتاج إليها كما هي محتاجة إلي .. نور عقلي من نورها، ونور قلبي من أنوارها، ونور عيني من ضيائها، فماذا أبغي من مصر بعد ذلك؟ علمتني فأحسنت تعليمي، وقومتني فأجادت تقويمي، وأرشدتني فما أروع إرشادك لي يا مصر! شكرا لك يا وطني .. ويا قرة عيني ويا كبدي وفلذة كبدي، يا جذوة أستدفئ بها، ويا نارا أصطليها فتشتد حميتي ويشتد بها ساعدي، وأظل أعمل وأعمل حتى تنبت الأرض زرعها وتخرج غلتها، وينتج المصنع مصنوعاته ومنتجاته، وحتى تعلم المدرسة أولادها، ويعالج المستشفى مرضاه ويشفيهم، ويرعى الكل مرعاه الخصيب الوفير الخير.
أي مصر، كوني لي قبسا على الدوام، وكوني لي نبراسا على مر الزمان .. فلن أجد السعادة بعيدا عنك، ولن يهدأ بالي أو يغمض لي جفن إلا في أحضانك .. يكفيني أن أرى شمسك في كل صباح .. أراها حمراء شديدة في أول النهار، ثم أراها باسمة مودعة محببة في المساء، تقول لي: «إلى اللقاء ...» وهي دائمة صادقة فيما تقول.
مصر الأمل
يخطئ من يظن أن مصر ماتت أو تموت .. مصر يا سادة لن تموت .. مصر أزلية سرمدية، خالدة خلود الشمس والنجوم والكواكب، باقية ما بقي الدهر .. مصر أرض صلبة راسخة الأركان ثابتة المكان .. مصر جوادة فواحة، باطنها خير من ظاهرها، وجوهرها أفضل من مظهرها.
مصر بلد الأمل المتجدد .. شبابها هم أملها وهم سواعدها وقلبها الخفاق .. هم سورها الحديدي وجدارها الجرانيتي، وسدها المنيع.
يخطئ، يا كرام، من يعتقد أن أرض الكنانة قد سلمت الأعلام، أو رفعت الأيدي بالاستسلام، أو رضخت وركعت وخنعت .. مصر الأمل لا يمكن أن تفكر في ذلك ولا لحظة واحدة، ولا يمكن أن يمر بخاطرها هاتف مثل هذا الهاتف، أو خاطر مثل هذا الخاطر .. مصر العبور أدهشت العالم أجمع بلا استثناء، بقوتها وجبروتها .. هي شمس وغيرها كواكب «إذا طلعت لم يبد منهن كوكب» .. مصر الأمل أمة عملاقة، يرفع قبتها ثمانون مليون ساعد، ويدب فوق أرضها ثمانون مليون قدم.
أما أعناق مصر، فمنتصبة كقامتها، عالية مشرئبة كعنق نفرتيتتها بجبروتها وجبروت تاريخها وفرعونها العظيم، موحد الأديان الأول مذ عرفت البشرية حلاوة التوحيد وعراقته وأهميته للوجود والسعادة الإنسانية القصوى.
Page inconnue