تولى السلطان أحمد المذكور وعمره بضع وثلاثون سنة، وكان حكيما، فأنعم على الإنكشارية بالأموال وفوض إليهم قتل المفتي «فيض الله أفندي»؛ لأنه قاومهم في أعمالهم. فلما استقر الأمر وثبت قدمه في الدولة، اقتص من الإنكشارية، فقتل منهم جمعا كبيرا وعزل رئيسهم - الأغا - وولى عليهم ابن أخته الداماد «حسن باشا». ولكن الدسائس غلبت على هذا التعيين فعزل وتولى غيره. وتكاثر عزل الصدور، وشغلت الدولة بداخليتها عن خارجيتها، ولم تنتبه لما كان يجريه «بطرس الأكبر» ملك الروس في بلاده ولا إلى سياسته في خارجها، وهي تقضي بإضعاف جيرانه حتى يبتلعهم. وكان قد أخذ بإخراج مشروعه إلى حيز العمل، فحارب شارل الثاني ملك أسوج وغلبه.
وأفضت الوزارة إلى «محمد باشا البلطجي» فمال إلى إشهار الحرب على الروس وقاد الجيوش بنفسه. وبعد وقائع عديدة حصر العثمانيون إمبراطور الروس وامرأته، ولو طال الحصار لغلبوا على أمرهم وسلموا، ولكن «كاثرينا» زوجة الإمبراطور «بطرس» استمالت «البلطجي» المذكور، وأغرته بالجواهر، فأعطته كل ما كان معها منها، فرفع الحصار واكتفى بمعاهدة لم تغن الدولة فتيلا.
وتوالى الصدور، وهم مختلفون ميلا إلى الحرب أو السلم فكانت حال الدولة تختلف لاختلاف ذلك مما ليس هو محل الكلام عليه.
وفي عهد هذا السلطان، دخلت الطباعة المملكة العثمانية، وتأسست دار الطباعة في الآستانة بفتوى من شيخ الإسلام تقضي ألا يطبع القرآن بحروف الطباعة؛ خوفا من وقوع التحريف فيه، وتولى على «مصر» سنة 1119 «حسن باشا» واليا. (2-1) قاسم بك وذو الفقار بك أو المماليك القاسمية والفقارية
أما مصر فصار النفوذ فيها إلى الأمراء المماليك - كما تقدم - وكانوا في أيام هذا السلطان حزبين كبيرين يعرفان بالمماليك «القاسمية» نسبة إلى «قاسم بك » و«الفقارية» إلى «ذي الفقار بك» وكان هذان الحزبان لا ينفكان عن المنافسة، يحاول كل منهما اكتساب النفوذ دون الآخر.
أما أصل هذين الحزبين ففيه أقوال، منها: أنهما ينسبان إلى أخوين هما: «قاسم بك» و«ذو الفقار بك» ولدي سودون أحد أمراء المماليك في عهد السلطان «سليم الفاتح» وأن السلطان سليم هو الذي نشطهما ونشط أحزابهما.
وقد ذكر «الجبرتي» لذلك قصة طويلة لا حاجة بنا إلى ذكرها.
وبعضهم يقول إن هذين الحزبين ينسبان إلى «قاسم عيواظ بك» الدفتردار و«ذي الفقار بك الكبير» سنة 1050ه. وكان «قاسم عيواظ» رئيس الطائفة القاسمية، وذو الفقار رئيس الفقارية. وكان لكل من هاتين الطائفتين مناقب خاصة بها. «الفقارية»: كانت توصف بالكثرة والسخاء و«القاسمية»: بالثروة والبخل.
وشارية «الفقارية»: علم أبيض مزاريقه رمانة.
والقاسمية: علم أحمر.
Page inconnue