L'Égypte, origine de la civilisation
مصر أصل الحضارة
Genres
والنتيجة لهذه الحال التي يؤسف عليها أن جمهور القراء في لندن أو برلين أو نيويورك يدرون عن مكتشفات سليم حسن أكثر مما ندري نحن، مع أننا أبناء هؤلاء الفراعنة الذين هم موضوع الدرس، وهذه الحال لا تشرفنا.
إن لنا هيئات حكومية تقوم بطبع الكتب العربية القديمة، وهذه خدمة لا تنكر للأدب أو لتاريخ الأدب، فلماذا لا تقوم هذه الهيئات نفسها بترجمة الكتب التي يؤلفها المصرلوجيون عن الآثار الفرعونية وطبعها؟ •••
وفينا من يعتقد أن درس الفراعنة لا يفيدنا كثيرا؛ لأن الصلة قد انقطعت بيننا وبينهم في اللغة والدين والسياسة والاجتماع والثقافة والفنون.
ولكن هذا الاعتقاد خطأ؛ فإننا أولا لا نزال من حيث السلالة مصريون، يجري في عروقنا الدم الذي كان يجري في جدودنا قبل خمسة آلاف سنة، واللغة لم تنقطع بيننا وبين عصور الفراعنة لأنها لا تزال حية في الكنائس المصرية، وكل ما طرأ عليها أنها تكتب بحروف إغريقية على نحو ما كانت تكتب التركية بحروف عربية قبل بضع سنوات، ولو أتاح الحظ للكنيسة القبطية قسيسا وطنيا - وهو مع وطنيته عالم - لرد اللغة القبطية إلى الخط المصري.
أما السياسة والاجتماع والفنون فإنها جميعا تعود في الأصول والأسس إلى مصر القديمة؛ لأن الحضارة اختراع مصري قديم. •••
وهنا نقطة تستحق الإبراز لأهميتها؛ فإن الشائع أن الأقباط هم السلالة الخالصة للمصريين القدماء، وأن المسلمين قد اختلطت دماؤهم بالدم العربي، وأن درس الفراعنة يجب ألا يكون له عند المسلمين القيمة التي له عند الأقباط.
وقد كنت أظن أن هذا الفرض معقول من الناحية التاريخية، ولكن كان يعترضه ما نراه في اختباراتنا الريفية من عظم المشابهة بل المطابقة بين السحنة الغالبة بين الفلاحين وبين السحنة الغالبة على المصريين القدماء، وهذه الحقيقة يعترف بها إليوت سمث نفسه، وإن كان هناك بين الأقباط أفراد كأنهم التماثيل المنحوتة قد أخرجت ليومها من قبور الفراعنة.
وكنت أحار في تعليل هذه الحقيقة حتى أتاح لي ظرف حسن أن أناقش الأستاذ سعيد لطفي في هذا الموضوع، وهو رجل يمتاز فوق وطنيته المصرية بسحنة فرعونية.
ويرى الأستاذ سعيد لطفي أن المسلمين أخلص في العنصرية المصرية من الأقباط؛ لأن العرب حينما غزوا مصر كانت الطبقة الحاكمة خلاسية يجري في عروق أفرادها مزيج من الدم المصري والدم الروماني، وكان الرومان الشرقيون (أي اليونان) قد قضوا في مصر ألف سنة قبل دخول العرب فكان اختلاطهم كبيرا بالمصريين، ولكن هذا الاختلاط كان مقصورا على الطبقة الحاكمة فقط، على نحو ما كان قائما في بلادنا قبل نحو خمسين سنة؛ إذ كانت الطبقة الحاكمة من المصريين وذات السلطان الاقتصادي في البلاد خليطا من الأتراك والمصريين والشراكسة، أما الفلاحون والعمال وسائر أفراد الأمة فكانوا عند دخول العرب مصريين أقحاحا لا تشوبهم شائبة من الدم الروماني، كما كانوا عند احتلال الإنجليز على هذه الحال أيضا لا يشوبهم شيء من الدم التركي أو الشركسي.
وهؤلاء الفلاحون والعمال وسائر أفراد الأمة دخلوا في الإسلام، أما الطبقة الحاكمة أو ذات السلطان الاقتصادي فقد اعتزت بمركزها وامتنعت بمقامها وأملت الآمال بخروج العرب، وهذه الطبقة هي التي ينتسب إليها الأقباط الآن وهي كما قلنا لم تكن خالصة الدم.
Page inconnue