L'Égypte, origine de la civilisation
مصر أصل الحضارة
Genres
وفي ضوء هذه الاعتبارات نستطيع أن نفسر العقائد القديمة دون أن نتورط في فروض صوفية وروحانية كان المصري القديم بعيدا عنهما كل البعد لأنه كان ماديا في عقيدته الدينية يبغي بها طول العمر ووفرة المحصولات الزراعية.
العجل المقدس في الهند الآن وهو يعيد إلينا ذكرى العجل أبيس في مصر.
ومن المعروف أن مصر لم تتحد اتحادا سياسيا أو إداريا إلا بعد انقضاء قرون عدة على تفشي الحضارة الزراعية فيها؛ ولذلك تفشت العقائد بينها واختلفت باختلاف الأقاليم، فلما وحدت البلاد في الإدارة أصبحت العقائد تزدوج وتندغم. ومن هنا ما يبدو لنا من غرابة عندما نجد اقتران الثعبان بالشمس أو القمر بالبقرة في العبادة، ونستطيع أحيانا بالتحليل أن نهتدي إلى أصل الفكرة الأولى في هذا الازدواج، كما أننا أحيانا نعجز عن ذلك ولا نجد مسوغا لهذا الازدواج سوى المصادفة. •••
وعبادة البقرة من العبادات الأولى التي اخترعتها مصر ثم عمت بعد ذلك العالم القديم كله، بل هي لا تزال تعبد في الهند كما أن اسمها لا يزال حيا بين الفلاحين في شهور هاتور؛ إذ إن هذا هو اسمها، وكذلك عبادة العجل فإننا نعرف العجل أبيس ولا يزال العجل محترما في الهند وهو يطلق «يعد أن يرسم ويقدس» في المدن فلا يجوز لأحد أن ينهره، وعلى كل إنسان أن يقدم له الطعام ويتمسح به للتبرك، وقد يرقد العجل في أحد الشوارع ويعطل المرور ومع ذلك لا يجوز لأحد أن يضربه وينهضه، وقد اخترع المصريون عبادة البقر والعجل ونسوها، ولكن الهند لم تنسها لأن طبقة البراهمة تحتفظ بتقاليدها التي ورثتها قبل 3000 عام.
ولا بد أن المصري القديم دهش دهشة عظيمة عندما اهتدى إلى الزراعة واستأنس البقرة فوجد فيها حيوانا أليفا له صفات الأم الإنسانية؛ إذ يخرج اللبن من ضرعها فيغذو الأطفال وغير الأطفال، وشعر منها أنه ظئره التي تحنو عليه وتقدم له اللبن بدلا من أمه، وهي بذلك تبعث الحياة في الأطفال، ومن هنا كان تأليفها وقد رسمت على جدران القبور المصرية والملك يرضع لبنها.
والحمل والولادة من الشئون التي اهتمت لها جميع الأمم القديمة، وقل أن يقرأ الإنسان وصفا للآلهة في مصر أو بابل أو الهند إلا ويجد أن خواص التناسل من أهم صفاتها وأنها موكلة بإخصاب الأمة وتكثيرها؛ فإن البقرة أخذت المكانة اللائقة بها عند جميع الأمم لأنها الرمز للأمومة، وما زالت تتطور حتى أصبحت الربة هاتور التي ترفع الإنسان من الأرض إلى السماء.
وقد قلنا إن العقائد نشأت متعددة في أماكن مختلفة في مصر ثم اندغمت أو ازدوجت عقب الاتحاد السياسي حين أصبح للبلاد كهانة رئيسية تنظم المعابد وتقرر العبادات، وقد كان للقمر مهمة تناسلية تقرب من مهمة البقرة، فإن كل امرأة تعرف أنها تحيض كل 28 يوما أي كل شهر قمري؛ ولذلك فإن القمر نظر إليه في الحضارة الأولى كأن له صلة بتنظيم الطمث والحمل.
هندي يقسم بذنب البقرة المقدسة.
ولذلك نرى أن البقرة رسمت عند أسلافنا وبين قرنيها قمر كأن المقصود هو جمع صفات الحمل والأمومة في ربة واحدة هي هاتور، وكأن الجمع بينهما هو أيضا جمع بين الأرض والسماء.
وقريب من منطق العقيدة بالبقرة منطق العقيدة في العجل؛ فإنه ابن البقرة وأخو الإنسان «في الرضاع» وهو رمز الذكورة أو الفحولة والتلقيح والإخصاب سواء للبقرة أو للأرض التي يحرثها وينبت زرعها؛ ولذلك ألهه المصريون القدماء وقدسوه كما يقدس العجل الآن في الهند، ونسبوا إليه صفات تتفق والألوهية فقد كانوا يعتقدون أن أمه عذراء، وقد ذكره فلوطرخس بقوله: «إن العجل أبيس تحمل به أمه عندما ينضب عليها شعاع قوي من القمر وهي في الشبق».
Page inconnue