L'Égypte, origine de la civilisation
مصر أصل الحضارة
Genres
وكان البوشماني خلوا من هموم العيش لا يبالي غير طعام اليوم، وكان يمتاز من التسماني بذكائه وقدرته الفنية، فقد كان له رسامون بارعون في الرسم بالأصباغ، وكانوا يعيشون إما في خصاص من القش والشجر وإما في الكهوف، وفي جدران هذه الكهوف وسقوفها وجدت هذه الرسوم، وكانوا يعنون بالرقص والغناء.
ولم يكن عند التسمانيين شيء بتاتا عن العقائد والأوهام مثل الإيمان بالأرواح أو العفاريت، ولكن البوشماني كان يؤمن بالله ويعتقد بقاء الروح بعد الموت ويدفن موتاه بعناية، وهنا يجب أيضا أن نشك في أنه هو المخترع لهذه العقائد إذ الأغلب أنها تسربت إليه من القبائل الإفريقية الأخرى المتوحشة.
وكان البوشماني يمتاز أيضا من التسماني من حيث شعوره بالحياء للعورة ورغبته في إخفائها، وكان يتخذ زنارا له ذنب من الخلف والأمام، وكان زنار النساء يحمل خرزا أو تتدلى منه خيوط، وكن ينتعلن بنعال خفيفة، وكان للبوشمان براعة في الصيد حتى الفيل، والزرافة والجنو والأيائل كانوا يصيدونها، ولكنهم كانوا يجهلون الزراعة جهلا تاما. •••
وكانوا في الزواج يقيمون احتفالا أو عرسا على أساس أن العريس يخطف العروس، وكان حين يحاول خطفها يهرع إيها أهلها وعشيرتها ويضربونه، فإذا تحمل الضرب وتجلد نالها، وإذا عجز لم ينلها، وكان على الزوج أن يتجنب حماته لا يراها أبدا لأنها طبو، وكان الطلاق يحدث بالتراضي.
هذا هو حال شعبين بدائيين لم يعرفا الزراعة التي تعد الأصل للحضارة والتي لا يمكن أن تقوم حضارة بدونها، وهنا في الوقت نفسه لا يعدان من الشعوب المتوحشة؛ لأن التوحش هو نتيجة الحضارة الناقصة أو الراكدة في أطوارها الأولى أو التي أفسدتها البيئة كما نرى في المتوحشين في أفريقيا وآسيا من الشعوب التي تمارس القتال وتزين بيوتها بالجماجم، أو غير ذلك من ضروب القسوة التي يجهلها البدائي لأنه خلو أو كالخلو من نظام اجتماعي حسن أو سيئ.
التحنيط والبناء
كان القبر أصلا من أصول الحضارة القديمة، منه تعلم الإنسان البناء ونحت التماثيل، وعنه أنشئت المعابد وتأسست الأديان القديمة، وعرفت الكيمياء عن التحنيط، ووصل الناس إلى أقصى الأرض يبحثون عن الذهب والمعادن والإيتاء بهما لإطالة العمر بعد الموت.
كان المصريون قبل أن يعرفوا القبور يتركون موتاهم للشمس فتجف الجثة ويبدو كأنها صاحبها لا يزال سليم الأعضاء، ثم يلفونها في القماش ويحفرون لها حفرة غير عميقة، وكانوا أحيانا يفصلون بينها وبين جدران الحفرة بالبوص لكي يمنعون التراب أو الرمل المحيط عن الانهيار على الجثة، ثم صاروا يفرشون الأرض وجدران القبر بألواح من الخشب بدلا من البوص، وأخيرا صنعوا النعش، ويمكننا الآن أن نقول إن النعش كان أول ما صنعه النجارون وإن القبر أول ما بناه البناءون في العالم.
ولكن المصريين في تجاربهم الأولى عن تخليد الجثة لكي يطمئنوا إلى أن حياتها لا تزال باقية، رأوا أنهم عكسوا الغاية باختراع النعش؛ لأن الجثة بدلا من أن تبقى سليمة تفسد وينحل اللحم، ومتى زال اللحم زال البقاء، وكانت لهم مصلحة كبيرة في أن يبقى الميت العظيم رئيسا كان أو كاهنا أو ملكا؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنه هو الذي كان يزيد المحصولات، فما دام حيا (بعد الموت) لا يكون هناك خطر من نقص الطعام.
وكانوا يعرفون من تمليح السمك وتجفيفه أنه يمكن اللحم أن يبقى سليما ما دام مملحا أو مجففا، وقد التفت هيرودوتس السائح الإغريقي إلى عناية المصريين بهذه الصناعة مما يدل على أنها كانت عريقة عندهم، كما عرفوا أن نزع الأحشاء هو شرط لمنع التعفن سواء في السمك أو الإنسان، ومن المرجح أنهم اهتدوا إلى تمليح الجثة من تمليح السمك والتمليح هو أساس التحنيط.
Page inconnue