حقيقة
مهما عرفت أن النور يرجع إلى الظهور والإظهار ومراتبه، فاعلم أنه لا ظلمة أشد من كتم العدم: لأن المظلم سمى مظلمًا لأنه ليس للإبصار إليه وصول، إذ ليس يصير موجودًا للبصير مع أنه موجود في نفسه. فالذى ليس موجودًا لا لغيره ولا لنفسه كيف لا يستحق أن يكون هو الغاية في الظلمة؟ وفي مقابلته الوجود فهو النور: فإن الشىء ما لم يظهر في ذاته لا يظهر لغيره.
والوجود ينقسم إلى ما للشىء من ذاته وإلى ماله من غيره. وماله الوجود من غيره فوجوده مستعار لا قوام له بنفسه. بل اعتُبر ذاته من حيث ذاته فهو عدم محض. وإنما هو موجود من حيث نسبته إلى غيره، وذلك ليس بوجود حقيقى كما عرفت في مثال استعارة الثوب والغِنَى. فالموجود الحق هو الله تعالى، كما أن النور الحق هو الله تعالى.
حقيقة الحقائق
من هنا ترقي العارفون من حضيض المجاز إلى يفاع الحقيقة، واستكملوا معراجهم فرأوا بالمشاهدة العيانية أن ليس في الوجود إلا الله تعالى، وأن ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ لا أنه يصير هالكًا في وقت من الأوقات؛ بل هو هالك أزلًا وأبدًا لا يتصور إلا كذلك؛ فإن كل شىء سواه إذا اعتُبِر ذاته من حيث ذاته فهو عدم محض؛ وإذا اعتبر من الوجه الذى
1 / 55