ومنها ما يبصَر بنفسه ويبصَر به أيضًا غيره كالشمس والقمر والسراج والنيران المشتعلة.
والنور اسم لهذا القسم الثالث. تم تارة يطلق على ما يفيض من الأجسام على ظواهر الأجسام الكثيفة، فيقال استنارت الأرض ووقع نور الشمس على الأرض ونور السراج على الحائط والثوب. وتارة يطلق على نفس هذه الأجسام المشرقة لأنها أيضًا في نفسها مستنيرة.
وعلى الجملة فالنور عبارة عما يبصَر بنفسه ويبصَر به غير كالشمس. هذا حده وحقيقته بالوضع الأول.
دقيقة
لما كان سر النور وروحه هو الظهور للإدراك، وكان الإدراك موقوفًا على وجود النور وعلى وجود العين الباصرة أيضًا: إذ النور هو الظاهر المظهِر؛ وليس شىء من الأنوار ظاهرًا في حق العميان ولا مظهرًا. فقد تساوى الروح الباصرة والنور الظاهر في كونه ركنًا لا بد منه للإدراك ثم ترجّح عليه في أن الروح الباصرة هى المدركة وبها الإدراك. وأما النور فليس بمدرك ولا به الإدراك، بل عنده الإدراك. فكان اسم النور بالنور الباصر أحق منه بالنور المبصَر.
وأطلقوا اسم النور على نور العين المبصرة فقالوا في الخفّاش إن نور عينه ضعيف، وفي الأعمش إنه ضعيف نور بصره، وفي الأعمى إنه فقد نور البصر، وفي السواد إنه يجمع نور البصر ويقويه، وإن الأجفان إنما خصتها الحكمة الإلهية بلون السواد وجعل العين محفوفة بها لتجمع ضوء
1 / 42