دون مبرر - على الفلسفة المشائية التى يمثلها الفارابى وابن سينا. وهو إذ يفعل ذلك، لا يعترف بالخصب والعمق والأصالة التى يتميز بها التفكير الفلسفى الصوفى الذى نراه واضحًا في مؤلفات الغزالى وشهاب الدين السهروردى الحلبى ومحيي الدين بن عربي وأمثالهم.
ولعل الغزالى كان أسبق فيلسوف إسلامى إلى الأخذ بمذهب الإشراق الذى نرى أثره واضحًا في رسالة "مشكاة الأنوار"؛ فإن تمييزه بين النور والظلمة، وبين عالم الأنوار وعالم الظلمات، هو المحور الذى تدور حوله هذه الرسالة؛ وهو تمييز أساسى في فلسفة إيران القديمة على نحو ما وردت في كتاب الأبستاق Avesta، وكذلك في الفلسفة الأفلاطونية الحديثة. ولكن الغزالى لم يبن على هذه التفرقة مذهبًا ثنويًا في طبيعة الوجود كما بنى ثنوية الفرس؛ بل على العكس نقض مذهبهم في المشكاة وغيرها، واعتبرهم في جملة المحجوبين. ولعله ومن سبقه من كبار متصوفة الإسلام كانوا أكثر تأثرًا فيما قالوه عن النور والإدراك الذوقي المنبعث من العالم النورانى بالأفلاطونية الحديثة التى وردت إليهم ملخصة في كتاب الربوبية المنسوب خطأ إلى أرسطو.
وفي رسالة "مشكاة الأنوار" نواة لمذهب فلسفى إشراقي أهم جوانبه الجانب الأنطولوجى الذى يشرح ماهية الوجود، والأبستمولوجى الذى يشرح ماهية المعرفة. والسيكولوجى الذى يشرح ماهية النفس، وإن كان الجانب الأول هو الغالب عليها.
بهذا سبق الغزالى كبار فلاسفة الإشراق المتأخرين من أمثال السهروردى الحلبى وقطب الدين الشيرازى ومهد أمامهم الطريق إلى فلسفة إشراقية كاملة مفصلة؛ وعلى الأخص في النواحى التى تتصل بالمعرفة والنفس كما تدل عليه عبارة قطب الدين الشيرازى في مقدمة شرحه على "حكمة الإشراق" للسهروردى فإنه يقول إن حكمة الإشراق هى "الحكمة المؤسسة على الإشراق الذى هو الكشف، أو حكمة المشارقة الذين هم أهل فارس، وهو أيضًا يرجع إلى
1 / 34