خاتمة
ظهر مما ذكرنا من تحليل لمضمون رسالة "مشكاة الأنوار" أننا بإزاء عمل فلسفى له قيمته وطابعه المميز، وأنها بمثابة اللّبنة التى يمكن أن يضاف إليها لَبِنات أخرى ليتألف منها مذهب فلسفى كامل ومتناسق. ومعنى هذا أن الغزالى الذى كثيرًا ما وصف بأنه هادم الفلسفة، كانت له فلسفة - كما كان لغيره ممن ظهروا بعده فلسفة، ولكنها كانت من نوع جديد.
كانت الفلسفة المشائية العربية - أى الفلسفة الأرسطية المنصبغة بصبغة الأفلاطونية الحديثة - قد استنفدت جميع أغراضها قبل الغزالى. وكانت قد بلغت ذروتها في مؤلفات الشيخ أبى على بن سينا ومدرسته بحيث لم يكن مقدرًا لها إلا الهبوط والتراجع، والتخلى عن مكانها لغيرها من المذاهب في الميدان الفكرى الإسلامى. ولم تكن الطعنة التى وجهها الغزالى لهذه الفلسفة - ممثلة في كتابات ابن سينا خاصة - إلا عاملًا جديدًا زاد من سرعة هذا الهبوط.
كان لا بد للفكر الفلسفى الإسلامى أن يشق لنفسه طريقًا آخر غير الطريق المشائى؛ طريقًا يمكن أن ينفذ المفكر من خلاله إلى صميم نفسه ودينه، ويتحول فيه من النظر إلى العالم نظرة موضوعية إلى النظر إلى النفس نظرة ذاتية؛ ويتحول من عالم المادة والأجرام الكثيفة إلى عالم النور والأكوان اللطيفة. وكان هذا الطريق هو طريق الإشراق الذى وضع أفلاطون اليونانى وفلاسفة إيران أصوله الأولى. في هذا الطريق الجديد سارت الفلسفة الإسلامية وأنتجت نتاجًا خصبًا رائعًا لا يقل في هاتين الصفتين عن إنتاجها في العصر المشائى. ولا ينكر هذا الجانب من التفكير الإسلامى، ويدعى أن الفلسفة الإسلامية لم تقم لها قائمة بعد ابن سينا، إلا من يقصر الفلسفة الإسلامية -
1 / 33