والأرض، أى نور كل ما في الوجود من أعلاه إلى أسفله، فذلك لأن الإنسان في نظره هو الموجود الوحيد الذى يتجلى فيه النور الإلهى في جميع مراتبه في حين أنه لا يتجلى في غير الإنسان إلا في بعض المراتب. من أجل هذا اختص الله الإنسان من بين الخلق بأنه الموجود الذي خلقه الله على صورته وأنه وحده الذى استحق الخلافة عن الله.
وهكذا يكشف الغزالى عن الجانب الإلهى في الإنسان ويصله بصلة مباشرة بالعالم العلوى ويضع نظرية جديدة في طبيعة النبوة والولاية تستغنى في تفسير وصول الوحى إلى الإنسان عن وساطة ملك الوحى، أو أى مدد خارجى آخر خارج عن النفس الإنسانية ذاتها. ولماذا يحتاج النبى أو الولى إلى مَلَك الوحى وهو يحمل مصباح النور الإلهى في قلبه؟
هكذا يتبين أن هذا الفصل من رسالة مشكاة الأنوار متمم الفصل الأول لأن الله الذى صوره الغزالى في الفصل الأول تصويرًا انطولوجيًا باعتباره نور الأنوار الذى هو أصل الوجود، قد صوره في هذا الفصل تصويرًا إبستمولوجيًا باعتبار ذلك النور نفسه أصل المعرفة، وأنه يبلغ غاية الظهور في الإنسان، وفي طبقة الأنبياء والأصفياء بوجه خاص، وهى الطبقة المعنية بالإنسان في حديث
"خلق الله الإنسان على صورة الرحمن".
الفصل الثالث
هذا الفصل تتمة طبيعية للفصلين الأول والثانى وليس مقحمًا على الرسالة غير متصل بها كما ذهب إليه بعض الكتاب على نحو ما سنشير إليه فيما بعد. وذلك أن الغزالى بعد أن قرر في الفصلين السابقين أن أولى الأنوار وأحقها باسم النور هو النور الإلهى، وأن هذا النور متجل بجميع مراتبه في الإنسان، أخذ يشرح في هذا الفصل الحجب التى قد تستر هذا النور وتحول دون معرفة الله وحقيقة الوجود، وأدار محور كلامه حول الحديث القائل "إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل من أدركه بصره". وهو يحصر المحجوبين في ثلاثة أنواع:
1 / 22