وحدهم "القوة" التى يبصرون بها المعانى المستترة وراء الصور المحسوسة، كما وقع للنبى ﵇ من أنه رأى عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة "حبوًا". رأى ذلك ببصره، ولكنه رأى ببصيرته أن عبد الرحمن بن عوف ومن على شاكلته قد وجد عسرًا وهو يغالب نفسه ويجاهدها لكى يتغلب إيمانه على شهواته ويدخل العالم الروحى الخالص المعبر عنه بالجنة، ولكنه يدخله "حبوا" بعد طول الجهاد والمقاومة. ويسمى الغزالى هذا النوع من الرؤية وحيًا قد يحصل في اليقظة وقد يحصل في النوم: فإذا حصل في اليقظة احتاج إلى التأويل، وإن حصل في النوم احتاج إلى التعبير.
والبحث الثانى الذي يضعه الغزالى تمهيدًا لتأويل آية النور هو المراتب الروحية البشرية وهى عنده خمس مراتب:
أولًا: الروح الحساس الذى يدرك المحسوسات، وهو موجود في الصبى والبالغ.
والثانى: الروح الخيالى وهو الذى يتلقى ما تورده الحواس ويخزنه في خزانته، وهذا لا يوجد للصبى الرضيع ويوجد له بعد ذلك، وقد يوجد لبعض الحيوانات.
الثالث: الروح العقلى الذى يدرك المعانى المجردة عن الحس والخيال. وهو جوهر الإنسان، ومدركاته المعلومات الضرورية الكلية.
الرابع: الروح الفكرى أو النظرى وهو الذى يدرك العلاقات المنطقية بين الأفكار وينتقل من المقدمات إلى النتائج.
الخامس: الروح القدسى النبوى، وهو للأنبياء والأولياء خاصة، وفيه تتجلى لوائح الغيب؛ وهو المشار إليه في قوله تعالى ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾ .
هذه الأرواح الخمسة أنوار تظهر بها أصناف الموجودات المحسوسة، والمعقولة، وهى في نظر الغزالى في موازاة الأشياء الخمسة التى ورد ذكرها في الآية: أعنى "المشكاة والزجاجة والمصباح والشجرة والزيت". فالروح
1 / 20