وتابعيه. و"الوادى المقدس" مثال لأول منزلة من منازل ترقي النبى: و"خلع النعلين" مثال لهجر الدارين: الدنيا والآخرة. و"القلم" مثال لانتقاش علم الغيب في النفوس القابلة، و"اللوح المحفوظ والرق المنشور" مثال للنفس التى يسجل فيها هذا العلم. و"اليد" مثال للملك المسخر لكتابة العلوم، و"الصورة" مثال لمجموع اليد والقلم واللوح، وهى في الإنسان صورة الرحمن لأن رسول الله يقول "خلق الله آدم على صورة الرحمن". و"الماء" الذى قال الله فيه ﴿أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً﴾ مثال للمعرفة؛ و"الأودية" الواردة في نفس الآية في قوله ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ مثال للقلوب وهكذا.
هنا يشعر الغزالى أن منهجه في التأويل على هذا النحو قد يدخله في عداد الباطنية الذين يصرفون الآيات القرآنية عن معانيها الظاهرة. فيبادر إلى القول بأنه ليس باطنيًا يبطل الظاهر ولا حشويًا يبطل أسرار الباطن ولكنه يجمع بين الظاهر والباطن، ويأخذ بالمعنى المحسوس كما يراقب "السر" المختفى وراءه. فموسى ﵇ رأى "نارًا" في "الوادى المقدس" وناداه ربه بقوله ﴿فاخلع نَعْلَيْكَ﴾ و"خلع بالفعل نعليه"؛ ولكنه أدرك في الوقت نفسه أنه في ابتداء معراجه النبوى وأن الله يطلب منه أن يتجه إليه وحده فيخلع من قلبه حب الدنيا والآخرة أى كل ما سوى الله. فالمثال في نظر الغزالى حق وأداؤه إلى السر الباطن حقيقة. والأمثلة "تنبيهات" تستخدم في إثارة الحس والخيال اللذين هما طبيعيان في الإنسان؛ ولكنها تنبيهات إلى أسرار وراءها، أو إلى أنوار يحجبها الحس والخيال.
ولسائل أن يسأل عمن لهم الحق في هذا التأويل الذى لا يخضع لقاعدة لغوية ولا لعرف خاص؟ وهل هو ميدان للتكهنات والتخمينات يقول فيه العقل ما بدا له أن يقول؟ إذا كان الأمر كذلك فالمسألة جد خطيرة، إذ يصبح التأويل بابا يتسرب منه إلى الإسلام كل أنواع البدع والضلالات. وقد كان كذلك في أيدى الباطنية ومن نحا نحوهم. ولكن الذى يفهم من كلام الغزالى أنه يقصر هذا التأويل على أصحاب البصيرة من الأنبياء والأولياء فإن فيهم
1 / 19