Mishkalat Al Thaqafa
مشكلة الثقافة
Chercheur
(إشراف ندوة مالك بن نبي)
Maison d'édition
دار الفكر
Numéro d'édition
١٤٢٠هـ = ٢٠٠٠م ط٤
Lieu d'édition
دمشق سورية
Genres
فهناك ولاشك علاقة مباشرة بين هذا التبادل وبين المنظر السائد من واشنطن إلى موسكو، وبالتالي بين الظروف الإنسانية على هذا المحور.
ولكن إذا كان هذا التبادل حين يتم في إطار معين وفي طرف ما يعد سببًا محتمًا قاطعًا، فإنه في جانب آخر أثر محتوم؛ فمن الأهمية بمكان أن نحتاط لأنفسنا حتى لا تُخفي عنا (ظاهرة سطحية Epiphénomène) ظاهرة جوهرية.
فعندما يذهب باليه الأوبرا في باريس إلى موسكو، أو عندما يأتي باليه الأوبرا من موسكو ليقدم بعض التمثيليات على المسرح الباريسي، فإن الذي يهمنا أن نستخلص لبناء فكرة (الأفرسيوية) ليس مجرد تبادل الفرق الراقصة، بل هو أن كلًا من هذه الفرق قد وجد خلال رحلاته جمهوره مع اختلاف بسيط في الألوان، كما وجد الجو نفسه والانفعال الجمالي نفسه. فمن المؤكد أن تطوافه لا بد أن يقوي هذه الوحدة في الإطار الفني، وأن يقوي (الروابط الثقافية) حسب التعبير الدبلوماسي، كما أن الفن ذاته يجد خلال هذا التبادل إلهامًا جديدًا ودوافع جديدة.
وهكذا يتوافق السبب وأثره في نتيجة كلية تصدر عن الواقع الذي سبق وجوده، أي إطار الحضارة المشتركة. وواضح جدًا أن الباليه الروسي لم يكن ليجد في (فاس) مثلًا جمهوره، ولا ذلك الصدى نفسه.
فالتبادل يصبح تقريبًا غير ذي فائدة أو موضوع، عندما يخرج عن إطاره الذي يمنحه قيمته الاجماعية ومغزاه الثقافي.
وإذن فتحديد التبادل الفعال الذي نتصوره ليساعد على تكوين ثقافة معينة، يجب أن يبدأ من هذه النظرة العامة عن (المحيط) الثقافي، فالثقافة هي أولًا (محيط) معين يتحرك في حدوده الإنسان، فيغذي إلهامه ويكيف مدى صلاحيته للتأثير عن طريق التبادل؛ والثقافة (جو) من الألوان
1 / 102