رعد! .. زلزال؟ .. مظاهرة؟ .. سقوط جسم بالحجرة؟!
أخرجت رأسي من تحت الغطاء إلى ظلام دامس. أنا هو أنا .. هذا فراشي ببنسيون ميرامار .. ولكن ما هذا؟ .. رباه .. إنه صوت زهرة .. إنه يطرق بابي.
هرعت إلى الخارج. رأيتها على ضوء المصباح السهري مشتبكة مع حسني علام في صراع مميت. من نظرة واحدة أدركت حقيقة الموقف كله. أردت أن أنقذها بلا فضيحة ومع الإبقاء على علاقتي بحسني. وضعت يدي على كتفه برفق هامسا: حسني!
لكنه لم يسمعني فشددت على كتفه وأنا أقول بنبرة أقوى: حسني .. أجننت؟!
دفعني بظهره بوحشية ولكني قبضت على منكبه وقلت له بحزم: ادخل الحمام وضع إصبعك في فمك!
وإذا به يستدير نحوي ويلطمني على جبهتي . جننت من الغضب فانهلت عليه ضربا. ولم يقف الضرب بيننا حتى أدركتنا المدام. وقد عاملت المدام المعتدي برفق لا يستحقه. إني أفهم العجوز جيدا. من خلال نفسي أفهمها حقا. كلانا حام حول حسني ممنيا النفس بالاستفادة من مشروعه الخيالي. وهي مترددة تقدم رجلا وتؤخر أخرى، وأنا متحفز طيلة الوقت للوثوب. ها هو الباب يغلق في وجهي نهائيا، أما هي فتكاد تعنف المضروب من أجل خاطر الضارب.
وعقب ذلك بأيام رأيته - حسني علام - خارجا من الجنفواز حوالي الواحدة صباحا مصطحبا معه صفية بركات. لم أدهش إلا قليلا ثم تذكرت يوم مضى بها من البنسيون. إنها تماثله في التهور والحلم بالمشاريع، وسيجمع بينهما الحب والأحلام. وكنت - تلك الليلة - قد سهرت في حانة جورج مع علي بكير ورأفت أمين. وسرنا في الكورنيش متشجعين بصفاء الجو وحرارة الخمر. ولا حديث لرأفت أمين - وبخاصة إذا سكر - إلا الوفد. وقد وضح لي أن علي بكير لا يكاد يعرف الفارق بين الوفد والنادي الأهلي. من ناحية أخرى لم أكن أهتم في أعماقي بالسياسة رغم نشاطي الموفور فيها.
أما رأفت أمين فراح يتحدث بلسان مخمور عن الوفد وأيامه. وسألته ساخرا: ألا تعترف بالموت؟
فقال بصوت دوى في الطريق الخالية: قل في الثورة ما تشاء، لا أنكر قوتها الشاملة، ولكن الشعب مات بموت الوفد!
عند ذلك وقع بصري على حسني علام وصفية بركات وهما ينحدران إلى الكورنيش كدبين قويين، قلت ضاحكا وأنا أشير إليهما من بعيد: ها هو شعب الوفد يواصل جهاده بعد منتصف الليل!
Page inconnue