منحة الخالق على البحر الرائق شرح كنز الدقائق

Ibn Abidin d. 1252 AH
89

منحة الخالق على البحر الرائق شرح كنز الدقائق

منحة الخالق على البحر الرائق شرح كنز الدقائق

Maison d'édition

دار الكتاب الإسلامي

Numéro d'édition

الثانية - بدون تاريخ

[منحة الخالق]

(قوله: قيل فيه مسألة الحوض بناء على الجزء الذي لا يتجزأ إلخ) بيان ذلك كما في شرح الهداية لسيدنا الأستاذ عبد الغني أن الأجسام المركبة كالماء والحجر ونحوهما هم يقولون إنها مركبة من الهيولى، وهي المادة الكلية ومن الصورة، وهي التعين الجزئي فقط فيلزم على هذا أن يكون ماء الحوض كله على مذهبهم متصلا واحدا فلو توضأ فيه صار جميعه مستعملا عندهم لكونه شيئا واحدا، وهو باطل، فإن مذهب أهل السنة والجماعة نصر الله تعالى كلمتهم إلى قيام الساعة أن الأجسام كلها مركبة من الجزء الذي لا يتجزأ لا وهما ولا فرضا كما قرر في موضعه من علم الكلام، وهو أربعة أنواع في كل جسم مركب أي جسم كان نوع من النار ونوع من الهواء ونوع من الماء ونوع من التراب، فإذا أراد الله تركيب جسم من الأجسام جمع بيد قدرته من كل نوع من هذه الأنواع الأربعة أجزاء صغارا متلاصقة وضم بعضها إلى بعض بتدبير إلهي خاص فتكون جسما ثم إذا أراد إعدام ذلك الجسم فرق بين أنواعه فيذهب كل نوع من تلك الأجزاء إلى جنسه ثم إذا كان يوم القيامة أعاد تلك الأجزاء إلى ما كانت عليه من التركيب، وهذا هو البعث الذي وردت به النصوص القطعية ثم إن كل نوع من هذه الأنواع الأربعة مركب أيضا من أجزاء صغار لا يحتمل القسمة متلاصقة يشبه بعضها بعضا بحيث تظهر كالشيء الواحد فتتصل وتنقطع لشدة مناسبة بعضها لبعض ولكن لا تشبه أجزاء هذا النوع أجزاء النوع الآخر فالماء أجزاء صغار متلاصقة متناسبة يتصل بعضها ببعض وينفصل بعضها عن بعض وكذلك الهواء والنار والتراب فلو توضأ أحد بالماء حتى صار بعض تلك الأجزاء مستعملا لا يلزم أن تصير بقية الأجزاء مستعملة كذلك؛ لأن الماء عندنا ليس شيئا واحدا إلا بحسب ظاهر الصورة التركيبية الحاصلة من اجتماع الأجزاء الصغار التي لا تتجزأ، وإنما هو مركب من أجزاء متناهية تنفصل وتتصل فلا يلزم استعمال الجميع بل البعض والحق أن الأجزاء في كل مركب متناهية كما هو مذهب أهل السنة والإلزام أن يدخل ما لا نهاية له في الوجود، وهو باطل بإجماع العقلاء كما ثبت بذلك بطلان التسلسل والله تعالى أعلم بالصواب اه.

(قوله: وفي هذا التقرير نظر) أي في تقرير ابتناء هذه المسألة على الجزء الذي لا يتجزأ ولعل وجه النظر من حيث التعبير بالنجاسة، فإنا إذا قلنا بنجاسة الماء المستعمل، فإن كان الحوض صغيرا يحكم بنجاسته عندنا أيضا، وإن كان غديرا يلزم أن لا يكون له حكم الجاري عند المعتزلة وأنه لو وقعت فيه قطرة بول يكون الحوض نجسا لمجاورة الماء للنجاسة ، وهل هم يقولون بذلك فلينظر هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم.

Page 92