فصل
اعلم أن من تصور حقيقة أي شيء على ما هو عليه في الخارج وعرف ماهيته بأوصافها الخاصة عرف ضرورة ما يناقضه ويضاده. وإنما يقع الخفاء بلبس إحدى الحقيقتين، أو بجهل كلا الماهيتين. ومع انتفاء ذلك وحصول التصور التام لهما لا يخفى ولا يلتبس أحدهما بالآخر. وكم هلك بسبب قصور العلم وعدم معرفة الحدود والحقائق من أمة، وكم وقع بذلك من غلط وريب وغمة. مثال ذلك: أن الإسلام والشرك نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان. والجهل بالحقيقتين أو إحداهما أوقع كثيرًا من الناس في الشرك وعبادة الصالحين، لعدم معرفة الحقائق وتصورها، وأن لساعد الجهل وقصور العلم عوائد مألوفة استحكمت بها البلية وتمكنت الرزية. وصار الانتقال عن العوائد والمشتهيات أعز شيء في الوجود وأصعب شيء على النفوس، مالم يعارض ذلك معارض قوي في نفسه، عظيم الصولة والقوة، سواء كان أمرًا خارجيًا كالقهر والغلبة والقتال والأسر "عجبت لقوم يدخلون الجنة بالسلاسل" أو أمرًا باطنيًا أو وازعًا إلهيًا كالتوفيق وقذف النور في القلب، وتصريف كصرف القلوب. وهذا النوع أقل مما قبله، كما في حديث ابن عباس في عرض الأمم وأنه ﷺ "رأى النّبيّ وليس معه أحد، والنّبيّ معه الرجل والرجلان، والنبي ومعه الرهط" الحديث بطوله.
1 / 12