وقيل لبعض الحكماء: من أشجع الناس، وأولاهم بالظفر؟ قال: من جاهد الهوى طاعة لربه، واحترز من ورود خواطر الهوى على قلبه، وقال بعضهم: أشجع الناس من غلب هواه، وأمات شهوته، وأطاع ربه، وأحيا مروءته.
وقال بعض العلماء: خلق الله الملائكة من عقل بلا شهوة، وخلق البهائم من شهوة بلا عقل، وخلق ابن آدم من كليهما؛ فمن علب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم.
وشرح ذلك: أن الله تعالي خلق الخلق أربعة أصناف: ملائكة، وآدميين وشياطين، وبهائم؛ فإما الملائكة فعقول بلا شهوة تقارنها، وأما البهائم فشهوة بلا عقول، وأما الشياطين والجن فركبت فيهم العقول، والشهوات، والهوى؛ كما ركبت في بني آدم؛ فغلبت شهوات الشياطين على عقولهم؛ فقطعوا أوقاتهم بالأخلاق الدميمة(1): كالكبر والعجب والفخر والحسد، والأذى والأفعال المهلكة؛ وأما البهائم فقضت أوقاتها بشهوات البطون، والفروج؛ وأما الآدميون: فقيهم العقول، وأخلاق الشياطين، وشهوات البهائم؛ فمن غلب عقله منهم على هواه فكأنه من عالم الملائكة، والأنبياء، والرسل والأولياء، والأصفياء، وقليل ما هم، ومن غلب هواه، وشهوته على عقله، ولم يخرج من الحلال، والمباحات من المطاعم والملابس والمراكب، والمنكوحات إلى شئ من المحرمات؛ فهو من عالم البهائم؛ لأن البهائم لا تكليف عليهن، وهذا من جملة المكلفين.
وإن كان الغالب عليه أخلاق الشياطين من الكبر، والحد، والعجب وسائر الأخلاق المذمومة؛ فهذا من عالم الشياطين؛ فمن اجتمع فيه من الآدميين: الشهوة: واتباع الهوى، والأخلاق المذمومة؛ فيكون شيطانا في صورة آدمي في أخلاق بهيمة لا يصلح لصحبة، ولا قرب من مؤمن.
فهذا شرح ما ذكروا، والله تعالي أعلم.
وروي أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: العاقل من غلب شهوته، وصدق رسول الله (صلي الله عليه وسلم).
Page 47