183

Minhaj Talibin

منهج الطالبين

Genres

وإذا قال القائل: واحد؛ فقد أخبر عن أدني العدد، وإن قال: أثنين؛ فقد أخبر عن تثنية العدد، وإن قال ثلاثة ؛ فقد أخبر عن جمع عدد هذا أقله، فإن قال: ثوب، فقد أخبر عن جنس، وأدني العدد، وإن قال: ثوبان؛ فقد دل على التثنية، والجنس، وإن قال: ثلاثة أثواب؛ دل على الجنس، وعلى أدني الجمع. ولم يعرف موضع الخطاب: لم يعلم فائدة الكلام، والتبس عليه ضروب الخطاب.

ثم إن الله تعالي جعل الخطاب للفائدة، والإفهام، وليعلم المأمور إرادة الآمر، ومراد المخاطب، والحكيم لا يخاطب بما لا فائدة فيه، ولا يأمر بما لا يفهم عنه، لأنه لا يمكن أن يأمر أحدا بالقعود، وهو يريد القيام؛ لأنه يأمر ليمتثل أمره؛ فإذا لم يبين مراده، لم يكن أن يمتثل أمره، ولم يتهيأ أن يعتقد طاعته فيما كلفه إياه.

وإذا كان ذلك كذلك لم يجز أن يتأخر البيان عن وقت الخطاب لتمام فصل الكلام؛ لأن تأخيره يوجب اعتقاد غير ما ظهر؛ لأنه إذا خاطب بظاهر الإطلاق، والعموم، وهو يريد التقييد، والخصوص، ثم لم يقر به بدلالة تبين عنه كان قد ألزم عباده أن يعتقدوا خلاف ما أراده منهم، فتعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.

فالخطاب؛ إذا ورد فلعمومه صيغة، وللنهي صيغة، ولكل وجه من وجوه الخطاب صيغة يعرف بها حكمه، ويدل المخاطب بها على معناه، ولن يجهل ذلك، أو شيئا منه أحد من أهل اللسان والمعرفة به من أهل اللغة، والبيان.

غير أن العرب لسعة لغتها، وكثرة معاني كلامها تعبر عن الخصوص بلفظ العموم، وعن العموم بلفظ الخصوص، وعن الحقيقة بلفظ المجاز، وعن المجاز بلفظ الحقيقة، وهذا معروف بينهم، ومنسوب عندهم، وعليه أدلة موضوعة من مقدمة الكلام وصلته، وبالإشارة المعهودة عندهم، وعلى ما يتعارفونه بينهم، فما فرق به الدليل تقل عن موضعه، وصنعته، وعلى هذا النحو جرت المخاطبة من الله تعالي في محكم كتابه، خاطبهم باللسان العربي البين.

Page 186