============================================================
(2) نهاج القاصدين وشفيد الصادفين والثالثة: تطهير القلب من الأخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة .
والرابعة: تطهير السر عن ما سوى الله عز وجل، فهذا هو الغاية القصوى، فمن قويت بصيرته سمت(1) إلى هذا المطلوب، ومن عميت بصيرته لم يفهم من مراتب الطهارة إلا المرتبة الأولى، فتراه يضيع أكثر زمانه الشريف في المبالغة في الاستنجاء وغسل الثياب ظنأ منه بحكم الوسوسة وقلة العلم أن الطهارة المطلوبة هي هذه فقط، وجهلا بسير المتقدمين واستغراقهم جميع الزمان في تطهير القلوب وتساهلهم في أمر الظاهر حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توضأ من جرة نضرانية(2)، وكانوا لا يكادون يغسلون أيديهم من الزهم(3)، ويصلون على الأرض، ويمشون خفاة، ويقتصرون في الاستنجاء على الحجارة: ثم قد انتهى الأمر إلى قوم يسمون الرعونة نظافة، ويقولون: هي من الدين، فأكثر زمائهم يمضي في تزيين الظواهر، وبواطنهم خراب محشوة بخبائث الكبر والعجب والجهل والرياء والنفاق، فلو رأو مقتصرا في الاستنجاء على الحجر أو حافيا يمشي على الأرض، أو مصليا على بواري(4) المسجد من غير سجادة مفروشة، أو ماشيا على الفرش من غير غلاف للقدم، أو متوضئا من آنية عجوز أقاموا في ذلك القيامة، وشددوا الإنكار، ولقبوه بالقذر، واستنكفوا من مؤاكلته، فسموا البذاذة(5) التي هي من الإيمان قذارة، والرعونة نظافة، فانظر كيف كان المنكر معروفا والمعروف منكرا: فإن قال قائل: فما تقول فيما قد أحدثوه من هذه الأشياء أتدخل في المنكر أو في المباح؟
(1) سمت: قصد. القاموس المحيط: (سمت).
(2) أخرجه الدارقطني في باب الوضوء بماء أهل الكتاب من كتاب الطهارة، سنن الدارقطني: .3211 (3) الؤهم: الرائحة التي تصيب اليد من الدسم. النهاية في غريب الحديث 323/2.
(4) البوادي، جمع بارية، وهي: الحصير المسوج. القاموس المحيط: (يور).
5) البذاذة: رثاثة الهيئة والتواضع في اللباس.
Page 86