============================================================
(128/ منهاج القاصدين وشفيد الصادقين في الاشتغال به، وطريق هذا أن يرد التفس قهرا إلى فهم ما يقرأ في الصلاة ويشغلها به عن غيره، ويعينه على ذلك أن يستعد لذلك قبل الدخول في الصلاة بأن يفرغ قلبه عن ما يهمه، ويقضي أشغاله ثم يجدد على نفسه ذكر الآخرة، وخطر القيام بين يدي الله عز وجل، وهؤل المطلع، فإن لم تسكن الأفكار بذلك، فليعلم أنه إنما يفكر فيما أهمه، وإنما أهمه ما اشتهاه، فليترك تلك الشهوات، وليقطع تلك العلائق (1) فإن النبي لما ضلى في أنبجانية(2) لها علم نزعها وقال : "إنها ألهتني آتفا عن صلاتي"(2)، فهذا هو الدواء القامع لمادة العلة لا يغني غيره.
وإنما الأول لتسكين ما يحوم حول حواشي القلب، ومع تمكن العلة لا ينفع إلا الدواء القوي، وهذه العلة إذا قويت جاذبت المصلي وجاذبها إلى أن تنقضي الصلاة في المجاذبة، ومثاله مثال رجل تحت شجرة أراد آن يصفو له فكره، وكانت أصوات العصافير تشوشن عليه وهو يطيرها بخشبة في يده، فإذا عاد إلى فكره عادت، فقيل له: هذا سير السواني(4)، وهو سفر لا ينقطع، فإذا أردت الخلاص فاقلع الشجرة، فكذلك شجرة الشهوة(3)، إذا اشتعلت وتفرقت أغصانها انجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار والذباب إلى الأقذار، فذهب العمر النفيس في دفع ما لا يندفع(1)، وسبب هذه الشهوات التي توجب هذه الأفكار خب الدنيا، قال معروف الكرخي يصف الصالحين: لو كان في قلوبهم حب الدنيا ما قت لهم سجدة. قيل لعامر بن عبد قيس: هل تحدثك نفسك بشيء من آمور الدنيا في الصلاة؟ فقال: لأن تختلف الأسنة في أحب إلي من أن أجد هذا.
(1) في الأصل "العوائق".
(2) الأنبجانية: كساء غليظ منسوب إلى منبج - على غير قياس- وهي مدينة من أعمال حلب، وقيل: إلى موضع اسمه أثبجان.
(3) أخرجه البخاري (719)، ومسلم (556).
4) السواني: جمع سانية، وهي البعير يستقى عليه، والسانية: الدولاب الذي يدور بالماء، ويضرب المثل في سير السواني في كل ما لا ثمرة في حركته، وأن آخره كأوله.
(5) في (ظ): "السهو".
(2) في الأصل: "ينفع.
Page 128