Minhaj Muttaqin
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
Genres
نظرت إلى من حسن الله وجهها .... فيا نظرة كادت على عاشق تقضي ونحن نجيبه بمثل قوله، فنقول: كيف نهدم أصلا ظاهرا في اللغة يثبت لا ندري من قائله، ولعلك أنت الذي قلته ونسبته إلى أهل اللغة، وبعد، فهب أنه صحيح فهو لا يدل على ما ذهبت إليه؛ لأنا نعترف أن النظر تتعقبه الرؤية ويكون سببا فيها، ولهذا قال عليه السلام: النظر إلى المرأة الحسناء سهم من سهام إبليس، فإنه ليس المراد الرؤية؛ لأنها من الله ، وغيرها من الإدراكات، والذي نهى عنه عليه السلام من النظر إنما هو الذي يقدر عليه، وهو تقليب الحدقة التي تتبعه الرؤية، ولهذا لا يذم أحدنا على العشق؛ لأنه فعل الله دائما يذم على سببه وهو تقليب الحدقة التماسا للرؤية لا على نفس الرؤية التي هي معنى تحل العين. وبعد فيجوز أن يكون النظر في البيت بمعنى الانتظار، وهذا أولى لأنه الذي يحصل به المشقة وتلاف العشاق، وليس الرؤية تقضي على العاشق بل هي مما يستلذ به، فكيف يسميها موتا بل يجيبه أولى كما هو أسلوب الفصحاء، وأما قول النابغة:
وما رأيتك إلا نظرة عرضت .... يوم النمارة والمأمور معذور
فتقديره إلا عند نظرة عرضت؛ لأن الذي يعرض هو تقليب الحدقة لا الرؤية اتفاقا، ولهذا أيقول حانت مني التفاته فرأيت وعرض مني نظرة فرأيت ونحو ذلك.
طريقة أخرى في الجواب: يقال لهم: ظاهر الآية متروك من وجوه، منها: أن ظاهرها يثبت الرؤية يوم القيامة، وأنتم إنما تثبتونه في الجنة لا في القيامة؛ لأنه يوم حساب وحشر، والوقت الذي يدخل الناس فيه الجنة لا يوصف بأنه يوم القيامة، ومنها: أن ظاهرها أن الوجوه هي الناضرة وليس كذلك، فإن الناظر هو الجملة لا الوجه، ولا العين، ولهذا عطف عليه بقوله: ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة، والوجوه لا تظن، فدل على أنه أراد ذوي الوجوه، ونظيره قوله تعالى: {وجوه يومئذ خاشعة..} إلى قوله: {لسعيها راضية}. ومنها: أن الخصم رد النظر إلى الرؤية وهو خلاف ما قد بيناه.
Page 240