Minhaj Muttaqin
كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)
Genres
وذهب بعض المجبرة إلى أنه تمدح بنفي الإدارك الذي هو اللحوق وسنبين أن إدراك الأبصار هو رؤيتها، ولأنه كما لا تلحقه الأبصار، فهي لا تلحق غيره كالمعدوم ونحوه، ولأنه كان يلزم أن يكون التقدير وهو يلحق الأبصار، ويقال لهؤلاء: أتريدون بالابصار المعاني التي هي الإدراكات، فالمعاني لا يصح عليها اللحوق على أنه يكون التقدير لا يلحقه اللحوق أو تريدون بالأنصار الجوارح، فهي لا تلحق ساقط أو يريدون الأشعة التي تنفصل من الحواس، فليس من مذهبكم إثباتها، ولأن أثبتموها فليس من مذهبكم أنها هي البصر.
وذهب جمهور أهل الجبر إلى أن التمدح هو الإبانة لم يفعل الإدراك الذي ندرك به، فيكون راجعا إلى الفعل، وهذا أيضا جهالة؛ لأنه لا مدح في انه لم يخلق لنا إدراكا يدرك به كما لا مدح في أنه لم يخلق لنا إدراكا ندرك به الحياة والقدرة والفيلة التي بين ايدينا، ولهذا لو صرح بما قالوا فقال خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، لا يخلق لكم إدراكا تدركونه به وهو اللطيف الخبير، لكان هذا مستهجنا كما تقدم، وبعد فالعرب لا تعرف الإدراك الذي يثبته المتكلمون فكيف يخاطبون بما لا يفعلون، على أنا لا نسلم لهم كون الإدراك معنى، وبعد فيلزم مثله في قوله تعالى: {يطعم ولا يطعم} فيكون المعنى انه لم يخلق لنا إدراكا نطعمه به وأكثرهم يلتزم هذا، وإن كانوا لا يطلقون العبارة وسيتضح مذهبهم في ذلك وإبطاله /151/. قال الرازي: إنما يحصل المدح بنفي الرؤية إذا كانت جائزة وكان تعالى قادرا على منع الأبصار عن ذلك، وجعل هذا وجها مستقلا في جوازها.
Page 227