صحيح مسلم شرح النووي
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم قال شيخنا الامام العالم الزاهد الورع محي الدين يحيى بن شرف بن مرى بن حسن بن حسين بن حزام النووي رحمه الله تعالى آمين الحمد لله البر الجواد الذي جلت نعمه عن الاحصاء والاعداد خالق اللطف والارشاد الهادى إلى سبيل الرشاد الموفق بكرمه لطرق السداد المان بالاعتناء بسنة حبيبه وخليله عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى من لطف به من العباد المخصص هذه الامة زادها الله شرفا بعلم الاسناد الذي لم يشركها فيه أحد من الأمم على تكرر العصور والآباد الذي نصب لحفظ هذه السنة المكرمة الشريفة المطهرة خواص من الحفاظ النقاد وجعلهم ذابين عنها في جميع الازمان والبلاد باذلين وسعهم في تبيين الصحة من طرقها والفساد خوفا من الانتقاص منها والازدياد وحفظا لها على الأمة زادها الله شرفا إلى يوم التناد مستفرغين جهدهم في التفقه في معانيها واستخراج الاحكام واللطائف منها مستمرين على ذلك في جماعات وآحاد مبالغين في بيانها وايضاح وجوهها بالجد والاجتهاد ولا يزال على القيام بذلك بحمد الله ولطفه جماعات في الاعصار كلها إلى انقضاء الدنيا واقبال المعاد وان قلو وخملت بلدان منهم وقربوا من النفاد أحمده أبلغ حمد على نعمه خصوصا على نعمة الاسلام وأن جعلنا من أمة خير الأولين والآخرين وأكرم السابقين واللاحقين محمد عبده ورسوله وحبيبه وخليله خاتم النبيين صاحب الشفاعة العظمى ولواء الحمد والمقام المحمود سيد المرسلين المخصوص بالمعجزة الباهرة المستمرة على تكرر السنين التي تحدى بها أفصح القرون وأفحم بها المنازعين وظهر بها خزي من لم ينقد لها من المعاندين المحفوظة من أن يتطرق اليها تغيير الملحدين أعنى بها القرآن العزيز كلام ربنا الذي نزل به الروح الأمين على قلبه ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين والمصطفى بمعجزات أخر زائدات على الألف والمئين وبجوامع الكلم وسماحة شريعته ووضع اصر المتقدمين المكرم بتفضيل أمته زادها الله شرفا
1 / 2
على الأمم السابقين وبكون أصحابه ﵃ خير القرون الكائنين وبأنهم كلهم مقطوع بعدالتهم عند من يعتد به من علماء المسلمين ويجعل اجماع أمته حجة مقطوعا بها كالكتاب المبين وأقوال أصحابه المنتشرة من غير مخالفة لذلك عند العلماء المحققين المخصوص بتوفر دواعي أمته زادها الله شرفا على حفظ شريعته وتدوينها ونقلها عن الحفاظ المسندين وأخذها عن الحذاق المتقين والاجتهاد في تبيينها للمسترشدين والدؤوب في تعليمها احتسابا لرضا رب العالمين والمبالغة في الذب عن منهاجه بواضح الأدلة وقمع الملحدين والمبتدعين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين وآل كل وصحابتهم والتابعين وسائر عباد الله الصالحين ووفقنا للاقتداء به دائمين في أقواله وأفعاله وسائر أحواله مخلصين مستمرين في ذلك دائبين وأشهد أن لا اله الاالله وحده لا شريك له اقرارا بوحدانيته واعترافا بما يجب على الخلق كافة من الاذعان لربوبيته واشهد ان محمد عبده ورسوله المصطفى من بريته والمخصوص بشمول رسالته وتفضيل امته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله واصحابه وعترته اما بعد فإن الاشتغال بالعلم من افضل القرب واجل الطاعات واهم انواع الخير وآكد العبادات واولى ما انفقت فيه نفائس الأوقات وشمر في ادراكه والتمكن فيه اصحاب الانفاس الزكيات وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات وسابق إلى التحلى به مستبقو المكرمات وقد تظاهرت على ما ذكرته جمل من الآيات الكريمات والاحاديث الصحيحة المشهورات واقاويل السلف رضىالله عنهم النيرات ولاضرورة لذكرها هنا لكونها من الواضحات الجليات ومن اهم انواع العلوم تحقيق معرفة الاحاديث النبويات اعني معرفة متونها صحيحها وحسنها وضعيفها متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلعا ومقلوبها ومشهورها وغريبها وعزيزها متوارتها وآحادها وافرادها معروفها وشاذها ومنكرها ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ومجملها ومبينها ومختلفها وغير ذلك من انواعها المعروفات ومعرفة علم الاسانيد اعني معرفة حال رجالها وصفاتهم المعتبرة وضبط اسمائهم وانسابهم ومواليدهم ووفياتهم وغير ذلك من الصفات ومعرفة التدليس والمدلسين وطرق الاعتبار والمتابعات ومعرفة حكم اختلاف الرواة في الأسانيد والمتون والوصل والارسال والوقف والرفع والقطع والانقطاع وزيادات الثقات ومعرفة الصحابة والتابعين واتباعهم
1 / 3
واتباع اتباعهم ومن بعدهم رضى الله عنهم وعن سائر المؤمنين والمؤمنات وغير ما ذكرته من علومها المشهورات ودليل ما ذكرته أن شرعنا مبني على الكتاب العزيز والسنن المرويات وعلى السنن مدار اكثر الأحكام الفقهيات فإن اكثر الآيات الفروعيات مجملات وبيانها في السنن المحكمات وقد اتفق العلماء على ان من شرط المجتهد من القاضي والمفتي ان يكون عالما بالأحاديث الحكميات فتيت بما ذكرناه ان الانشغال بالحديث من اجل العلوم الراجحات وافضل انواع الخير وآكد القربات وكيف لا يكون كذلك وهو مشتمل مع ماذكرناه على بيان حال افضل المخلوقات عليه من الله الكريم افضل الصلوات والسلام والتبريكات ولقد كان أكثر اشتغال العلماء بالحديث في الاعصار الخاليات حتى لقد كان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين الوف متكاثرات فتناقص ذلك وضعفت الهمم فلم يبق الا آثار من آثارهم قليلات والله المستعان على هذه المصيبة وغيرها من البليات وقد جاء في فضل احياء السنن المماتات احاديث كثيرة معروفات مشهورات فينبغي الاعتناء بعلم الحديث والتحريض عليه لما ذكرنا من الدلالات ولكونه ايضا من النصيحة لله تعالى وكتابه ورسوله ﷺ وللائمة والمسلمين والمسلمات وذلك هو الدين كما صح عن سيد البريات صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله وصحبه وذريته وازواجه الطاهرات ولقد احسن القائل من جمع ادوات الحديث استنار قلبه واستخرج كنوزه الخفيات وذلك لكثرة فوائده البارزات والكامنات وهو جدير بذلك فانه كلام افصح الخلق ومن اعطي جوامع الكلمات ﷺ صلوات متضاعفات واصح مصنف فى الحديث بل فى العلم مطلقا الصحيحان للإمامين القدوتين ابى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وابى الحسين مسلم بن الحجاج القشيرى رضى الله عنهما فلم يوجد لهما نظير فى المؤلفات فينبغي ان يعتنى بشرحهما وتشاع فوائدهما ويتلطف فى استخراج دقائق المعلوم من متونهما واسانيدهما لما ذكرنا من الحجج الظاهرات وانواع الادلة المتظاهرات فأما صحيح البخارى ﵀ فقد جمعت فى شرحه جملا مستكثرات مشتملة على نفائس من انواع العلوم بعبارات وجيزات وانا مشمر فى شرحه راج من الله الكريم فى اتمامه المعونات واما صحيح مسلم ﵀ فقد استخرت الله تعالى الكريم الرؤف الرحيم فى جمع كتاب شرحه متوسط بين المختصرات
1 / 4
والمبسوطات لا من المختصرات المخلات ولا من المطولات المملات ولولا ضعف الهمم وقلة الراغبين وخوف عدم انتشار الكتاب لقلة الطالبين للمطولات لبسطه فبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات من غير تكرار ولا زيادات عاطلات بل ذلك لكثرة فوائده وعظم عوائده الخفيات والبارزات وهو جدير بذلك فإنه كلام أفصح المخلوقات ﷺ صلوات دائمات لكنى اقتصر على التوسط واحرص على ترك الاطالات وأوثر الاختصار فى كثير من الحالات فأذكر فيه ان شاء الله جملا من علومه الزاهرات من احكام الاصول والفروع والآداب والاشارات الزهديات وبيان نفائس من اصول القواعد الشرعيات وايضاح معانى الالفاظ اللغوية واسماء الرجال وضبط المشكلات وبيان اسماء ذوى الكنى واسماء آباء الابناء والمبهمات والتنبيه على لطيفة من حال بعض الرواة وغيرهم من المذكورين فى بعض الاوقات واستخراج لطائف من خفيات علم الحديث من المتون والاسنانيد المستفادات وضبط جمل من الاسماء المؤتلفات والمختلفات والجمع بين الاحاديث التى تختلف ظاهرا ويظن البعض من لا يحقق صناعتى الحديث والفقه واصوله كونها متعارضات وانبه على ما يحضرني فى الحال فى الحديث من المسائل العمليات واشير إلى الادلة فى كل ذلك اشارات الا فى مواطن الحاجة إلى البسط للضرورات واحرص فى جميع ذلك على الايجاز وايضاح العبارات وحيث انقل شيئا من اسماء الرجال واللغة وضبط المشكل والاحكام والمعانى وغيرها من المنقولات فإن كان مشهورا لا اضيفه إلى قائليه لكثرتهم الا نادرا لبعض المقاصد الصالحات وان كان غريبا اضفته إلى قائليه الا ان اذهل عنه بعض المواطن لطول الكلام او كونه مما تقدم بيانه من الابواب الماضيات واذا تكرر الحديث او الاسم او اللفظة من اللغة ونحوها بسطت المقصود منه فى اول مواضعه واذا مررت على الموضع الآخر ذكرت انه تقدم شرحه وبيانه فى الباب الفلانى من الابواب السابقات وقد اقتصر على بيان تقدمه من غير اضافة او اعيد الكلام فيه لبعد الموضع الاول أو ارتباط كلام او نحوه او غير ذلك من المصالح المطلوبات واقدم فى اول الكتاب جملا من المقدمات مما يعظم النفع به ان شاء الله تعالى ويحتاج إليه طالبو التحقيقات وأرتب ذلك فى فصول متتابعات ليكون اسهل فى مطالعته وابعد من السآمات وانا مستمد المعونة والصيانة واللطف والرعاية من الله
1 / 5
الكريم رب الارضين والسموات مبتهلا إليه ﷾ ان يوفقنى ووالدى ومشايخى وسائر اقاربى واحبابى ومن احسن الينا بحسن النيات وان ييسر لنا الطاعات وان يهدينا لها دائما فى ازدياد حتى الممات وان يجود علينا برضاه ومحبته ودوام طاعته والجمع بيننا فى دار كرامته وغير ذلك من انواع المسرات وان ينفعنا اجمعين ومن يقرأ فى هذا الكتاب به وان يجزل لنا المثوبات وان لا ينزع منا ما وهبه لنا ومن به علينا من الخيرات وان لا يجعل شيئا من ذلك فتنة لنا وان يعيذنا من كل شيء من المخالفات انه مجيب الدعوات جزيل العطيات اعتصمت بالله توكلت على الله ما شاء الله لا قوة الا بالله لا حول ولا قوة الا بالله وحسبى الله ونعم الوكيل وله الحمد والفضل والمنة والنعمة وبه التوفيق واللطف والهداية والعصمة
(
(
فصل)
في بيان اسناد الكتاب وحال رواته منا إلى الامام مسلم ﵁ مختصرا)
أما اسنادي فيه فأخبرنا بجميع صحيح الامام مسلم بن الحجاج ﵀ الشيخ الأمين العدل الرضى أبو إسحاق ابراهيم بن أبي حفص عمر بن مضر الواسطى ﵀ بجامع دمشق حماها الله وصانها وسائر بلاد الاسلام وأهله قال أخبرنا الامام ذو الكنى أبو القاسم أبو بكر أبوالفتح منصور بن عبد المنعم الفراوي قال أخبرنا الامام فقيه الحرمين أبو جدى أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي قال أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر الفارسي قال أنا أحمد محمد بن عيسى الجلودي قال أنا أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه انا الامام أبو الحسين مسلم بن الحجاج ﵀ وهذا الاسناد الذي حصل لنا ولاهل زماننا ممن يشاركنا فيه في نهاية من العلو بحمد الله تعالى فبيننا وبين مسلم ستة وكذلك اتفقت لنا بهذا العدد رواية الكتب الأربعة التي هي تمام الكتب الخمسة التي هي أصول الاسلام أعنى صحيحي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وكذلك رقع لنا بهذا العدد مسندا الامامين أبوي عبد الله أحمد بن حنبل ومحمد بن يزيد أعنى بن ماجه ووقع لنا أعلى من هذه الكتب وان كانت عالية موطأ الامام أبي عبد الله مالك بن أنس فبيننا وبينه ﵀ سبعة وهو شيخ شيوخ المذكورين كلهم فتعلو روايتنا لاحاديثه برجل ولله الحمد والمنة وحصل في روايتنا لمسلم لطيفة وهو أنه اسناد
1 / 6
مسلسل بالنيسابوريين وبالمعمرين فان رواته كلهم معمرون وكلهم نيسابوريون من شيخنا أبي إسحاق إلى مسلم وشيخنا وان كان واسطيا فقد أقام بنيسابور مدة طويلة والله اعلم اما بيان حال رواته فيطول الكلام في تقصي أخبارهم واستقصاء أحوالهم لكن نقتصر على ضبط أسمائهم وأحرف تتعلق بحال بعضهم أما شيخنا أبو إسحاق فكان من أهل الصلاح والمنسوبين إلى الخير والفلاح معروفا بكثرة الصدقات وانفاق المال في وجوه المكرمات ذا عفاف وعبادة ووقار وسكينة وصيانة بلا استكبار توفي ﵀ بالاسكندرية اليوم السابع من رجب سنة أربع وستين وستمائة وأما شيخ شيخنا فهو الامام ذو الكنى أبو القاسم أبو بكر أبو الفتح منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي العباس الصاعدي الفراوي ثم النيسابوري منسوب إلى فراوة بليدة من ثغر خراسان وهو بفتح الفاء وضمها فاما الفتح فهو المشهور المستعمل بين أهل الحديث وغيرهم وكذا حكى الشيخ الامام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح ﵀ أنه سمع شيخه منصورا هذا ﵁ يقول انه الفراوي بفتح الفاء وذكره أبو سعيد السمعاني في كتابه الانساب بضم الفاء وكذا ذكر الضم ايضا غير السمعانى وكان منصور هذا جليلا شيخا مكثرا ثقة صحيح السماع روى عن أبيه وجده وجد ابيه أبى عبد الله محمد بن الفضل وروى عن غيرهم مولده فى شهر رمضان سنة اثنين وعشرين وخمسمائة وتوفى بشازياخ نيسابور فى شعبان سنة ثمان وستمائة واما أبو عبد الله الفاروى فهو محمد بن الفضل جد ابى منصور النيسابورى وقد تقدم تمام نسبه فى نسب بن بن ابنه منصور كان أبو عبد الله هذا الفراوى رضى الله عنه اماما بارعا فى الفقه والاصول وغيرهما كثير الروايات بالاسانيد الصحيحة العاليات رحلت إليه الطلبة من الاقطار وانتشرت الروايات عنه فيما قرب وبعد من الامصار حتى قالوا فيه للفراوى ألف راوى وكان يقال له فقيه الحرم لاشاعته ونشره العلم بمكة زادها الله فضلا وشرفا ذكره الامام الحافظ أبو القاسم الدمشقى المعروف بابن عساكر رضى الله عنهما فأطنب فى الثناء عليه بما هو أهله ثم روى عن ابى الحسين عبد الغافر أنه ذكره فقال هو فقيه الحرم البارع فى الفقه والاصول الحافظ للقواعد نشأ بين الصوفية فى حجورهم ووصل إليه بركات أنفاسهم وسمع التصانيف والاصول من الامام زين الاسلام ودرس عليه الاصول والتفسير ثم اختلف إلى مجلس امام الحرمين
1 / 7
ولازم درسه ماعاش وتفقه عليه وعلق عنه الاصول وصار من جملة المذكورين من أصحابه وخرج حاجا إلى مكة وعقد المجلس ببغداد وسائر البلاد وأظهر العلم بالحرمين وكان منه بهما أثر وذكر ونشر للعلم وعاد إلى نيسابور وما تعدى قط حد العلماء ولا سيرة الصالحين من التواضع والتبذل فى الملابس والتعايش وتستر بكتابة الشروط لاتصاله بالزمرة الشحامية مصاهرة ليصون بها عرضه وعلمه عن توقع الارفاق ويتبلغ بما يكتسبه منها فى اسباب المعيشة من فنون الارزاق وقعد للتدريس فى المدرسة الناصحة وافادة الطلبة فيها وقد سمع المسانيد والصحاح وأكثر عن مشايخ عصره وله مجالس الوعظ والتذكير المشحونة بالفوائد والمبالغة فى النصح وحكايات المشايخ وذكر احوالهم قال الحافظ أبو القاسم والى الامام محمد الفراوى كانت رحلتى الثانية لأنه المقصود بالرحلة فى تلك الناحية لما اجتمع فيه من علو الاسناد ووفور العلم وصحة الاعتقاد وحسن الخلق ولين الجانب والاقبال بكليته على الطالب فأقمت فى صحبته سنة كاملة وغنمت من مسموعاته فوائد حسنة طائلة وكان مكرما لموردى عليه عارفا بحق قصدى إليه ومرض مرضة فى مدة مقامى عنده ونهاه الطبيب عن التمكين من القراءة عليه فيها وعرفه ان ذلك ربما كان سببا لزيادة تألمه فقال لا أستجيز أن أمنعهم من القراءة وربما أكون قد حسبت فى الدنيا لأجلهم وكنت أقرأ عليه فى حال مرضه وهو ملقى على فراشه ثم عوفى من تلك المرضة وفارقته متوجها إلى هراة فقال لى حين ودعته بعد أن اظهر الجزع لفراقى وربما لا نلتقى بعد هذا فكان كما قال فجاءنا نعيه إلى هراة وكانت وافته فى العشر الأواخر من شوال سنة ثلاثين وخمسمائة ودفن فى تربة أبى بكر بن خزيمة رضى الله عنهما وذكر الحافظ أيضا جملا اخرى من مناقبه حذفتها اختصارا وذكر أبو سعيد السمعانى أنه سأل أبا عبد الله الفراوى هذا عن مولده فقال مولدى تقديرا سنة احدى وأربعين وأربعمائة قال غيره وتوفى يوم الخميس الحادى أو الثانى والعشرين من شوال سنة ثلاثين وخمسمائة قال الحافظ الشيخ أبو عمرو رحمة الله له فى علم المذهب كتاب انتخبت منه فوائد استغربتها وسمع صحيح مسلم من عبد الغافر فى السنة التى توفى فيها عبد الغافر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة بقراءة أبى سعيد البحيرى ﵀ ورضى عنه واما شيخ الفراوى فهو أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر بن أحمد بن محمد بن سعيد الفارسى الفسوى ثم النيسابورى التاجر وكان سماعه صحيح مسلم من الجلودى سنة خمس وستين
1 / 8
وثلاثمائة ذكره ولد ولده أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسى الاديب الامام المحدث بن المحدث بن المحدث صاحب التصانيف كذيل تاريخ نيسابور وكتاب مجمع الغرائب والمفهم لشرح غريب صحيح مسلم وغيرها فقال كان شيخا ثقة صالحا صائنا محظوظا من الدين والدنيا محدودا فى الرواية على قلة سماعه مشهورا مقصودا من الآفاق سمع منه الائمة والصدور وقرأ الحافظ الحسن السمرقندى عليه صحيح مسلم نيفا وثلاثين مرة وقرأه عليه أبو سعيد البحيرى نيفا وعشرين مرة وممن قرأه عليه من مشاهير الائمة زين الاسلام أبو القاسم يعنى القشيرى والواحدى وغيرهما استكمل خمسا وتسعين سنة وألحق أحفاد الاحفاد بالاجداد وتوفى يوم الثلاثاء ودفن يوم الاربعاء السادس من شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وقال غيره ولد ثلاث وخمسين وثلاثمائة وسمع منه أئمة الدنيا من الغرباء والطارئين والبلديين وبارك الله ﷾ فى سماعه وروايته مع قلة سماعه وكان المشهور برواية صحيح مسلم وغريب الخطابى فى عصره وسمع الخطابى وغيره من أهل عصره ﵀ ورضى عنه وأما شيخ الفارسى فهو أبو أحمد محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الرحمن بن عمرويه بن منصور الزاهد النيسابورى الجلودى بضم الجيم بلا خلاف قال الأمام أبو سعيد السمعانى هو منسوب الجلود المعروفة جمع جلد قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ ﵀ عندى أنه منسوب إلى سكة الجلوديين بنيسابور الدارسة وهذا الذى قاله الشيخ أبو عمرو يمكن حمل كلام السمعانى عليه وانما قلت ان الجلودى هذا بضم الجيم بلا خلاف لان بن السكيت وصاحبه بن قتيبة قالا فى كتابيهما المشهورين أن الجلودى بفتح الجيم منسوب إلى جلود اسم قرية بافريقية وقال غيرهما انها بالشام واراد أن من نسب إلى هذه القرية فهو بفتح الجيم لكونها مفتوحة وأما أبو أحمد الجلودى فليس منسوبا إلى هذه القرية فليس فيما قالاه مخالفة لما ذكرناه والله أعلم قال الحاكم أبو عبد الله كان أبو أحمد هذا الجلودى شيخا صالحا زاهدا من كبار عباد الصوفية صحب أكابر المشايخ من أهل الحقائق وكان ينسخ الكتب ويأكل من كسب يده سمع أبا بكر بن خزيمة ومن كان قبله وكان ينتحل مذهب سفيان الثورى ويعرفه توفى ﵀ يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذى الحجة سنة ثمان وستين وثلاثمائة وهو بن ثمانين سنة قال الحاكم وختم لوفاته سماع صحيح مسلم وكل من حدث به بعده عن ابراهيم بن محمد بن سفيان وغيره فليس بثقة والله أعلم
1 / 9
وأما الشيخ الجلودى فهو السيد الجليل أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن سفيان النيسابورى الفقيه الزاهد المجتهد العابد قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع سمعت محمد بن يزيد العدل يقول كان ابراهيم بن محمد بن سفيان مجاب الدعوة قال الحاكم وسمعت أبا عمرو بن نجيد يقول انه كان من الصالحين قال الحاكم كان ابراهيم بن سفيان من العباد المجتهدين ومن الملازمين لمسلم بن الحجاج وكان من أصحاب أيوب بن الحسن الزاهد صاحب الرأى يعنى الفقيه الحنفى سمع ابراهيم بن سفيان بالحجاز ونيسابور والرى والعراق قال ابراهيم فرغ لنا مسلم من قراءة الكتاب فى شهر رمضان سنة سبع وخمسين ومائتين قال الحاكم مات ابراهيم فى رجب سنة ثمان وثلاثمائة ﵀ ورضى عنه وأما شيخ ابراهيم بن محمد بن سفيان فهو الامام مسلم صاحب الكتاب وهو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى نسبا النيسابورى وطنا عربى صليبة وهو أحد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه وأهل الحفظ والاتقان والرحالين فى طلبه إلى أئمة الاقطار والبلدان والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان والمرجوع إلى كتابه والمعتمد عليه فى كل الازمان سمع بخرسان يحيى بن يحيى واسحاق بن راهويه وغيرها وبالرى محمد بن مهران الجمال بالجيم وأبا غسان وغيرهما وبالعراق أحمد بن حنبل وعبد الله بن مسلمة القعنبى وغيرهما وبالحجاز سعيد بن منصور وأبا مصعب وغيرهما وبمصر عمرو بن سواد وحرملة بن يحيى وغيرهما وخلائق كثيرين روى عنه جماعات من كبار أئمة عصره وحفاظه وفيهم جماعات فى درجته فمنهم أبو حاتم الرازى وموسى بن هارون وأحمد بن سلمة وأبو عيسى الترمذى وأبو بكر بن خزيمة ويحيى بن صاعد وأبو عوانةالاسفراينى وآخرون لا يحصون وصنف مسلم ﵀ فى علم الحديث كتبا كثيرة منها هذا الكتاب الصحيح الذى من الله الكريم وله الحمد والنعمة والفضل والمنة به على المسلمين وأبقى لمسلم به ذكرا جميلا وثناء حسنا إلى يوم الدين ومنها كتاب المسند الكبير على أسماء الرجال وكتاب الجامع الكبير على الأبواب وكتاب العلل وكتاب أوهام المحدثين وكتاب التميز وكتاب من ليس له الا راو واحد وكتاب طبقات التابعين وكتاب المخضرمين وغير ذلك قال الحاكم أبو عبد الله حدثنا أبو الفضل محمد بن ابراهيم قال سمعت أحمد بن سلمة يقول رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج فى معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما وفى رواية فى معرفة الحديث قلت
1 / 10
ومن حقق نظره فى صحيح مسلم ﵀ واطلع على ما أورده فى أسانيده وترتيبه وحسن سياقته وبديع طريقته من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق وأنواع الورع والاحتياط والتحرى فى الرواية وتلخيص الطرق واختصارها وضبط متفرقها وانتشارها وكثرة اطلاعه واتساع روايته وغير ذلك مما فيه من المحاسن والاعجوبات واللطائف الظاهرات والخفيات علم أنه امام لا يلحقه من بعد عصره وقل من يساويه بل يدانيه من أهل وقته ودهره وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وأنا أقتصر من أخباره رضى الله عنه على هذا القدر فان أحواله ﵀ ومناقبه لا تستقصى لبعدها عن أن تحصى وقد دللت بما ذكرت من الاشارة إلى حالته على ما أهملت من جميل طريقته والله الكريم أسأله أن يجزل فى مثوبته وأن يجمع بيننا وبينه مع احبائنا فى دار كرامته بفضله وجوده ولطفه ورحمته وقد قدمت أن أوثر الاختصار وأحاذر التطويل الممل والاكثار توفى مسلم ﵀ بنيسابور سنة احدى وستين ومائتين قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع فى كتاب المزكين لرواة الاخبار سمعت أبا عبد الله بن الاخرم الحافظ ﵀ يقول توفى مسلم بن الحجاج ﵀ عشية الاحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة احدى وستين ومائتين وهو بن خمس وخمسين سنة ﵀ ورضى عنه
(
فصل)
صحيح مسلم ﵀ فى نهاية من الشهرة وهو متواتر عنه من حيث الجملة فالعلم القطعى حاصل بأنه تصنيف أبى الحسين مسلم بن الحجاج وأما من حيث الرواية المتصلة بالاسناد المتصل بمسلم فقد انحصرت طريقه عنده فى هذه البلدان والازمان فى رواية أبى إسحاق ابراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم ويروى فى بلاد المغرب مع ذلك عن أبى محمد أحمد بن على القلانسى عن مسلم ورواه عن بن سفيان جماعة منهم الجلودى وعن الجلودى جماعة منهم الفارسى وعنه جماعة منهم الفراوى وعنه خلائق منهم منصور وعنه خلائق منهم شيخنا أبو إسحاق قال الشيخ الامام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح ﵀ وأما القلانسى فوقعت روايته عند أهل الغرب ولا رواية له عند غيرهم دخلت روايته إليه من جهة أبى عبد الله محمد بن يحيى بن الحذاء التميمى القرطبى وغيره سمعوها بمصر من أبى العلاء عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرحمن بن ماهان البغدادى قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يحيى الاشقر الفقيه على مذهب الشافعى قال
1 / 11
حدثنا أبو محمد القلانسى قال حدثنا مسلم الا ثلاثة أجزاء من آخر الكتاب أولها حديث الافك الطويل فان أبا العلاء بن ماهان كان يروى ذلك عن أبى أحمد الجلودى عن أبى سفيان عن مسلم رضى الله عنه
(
فصل)
قال الشيخ الامام الحافظ أبو عمرو وعثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح ﵀ اختلف النسخ فى رواية الجلودى عن ابراهيم بن سفيان هل هي بحدثنا ابراهيم أو أخبرنا والتردد واقع فى أنه سمع لفظ ابراهيم أو قرأه عليه فالأحوط أن يقال أخبرنا ابراهيم حدثنا ابراهيم فليلفظ القارىء بهما على البدل قال وجائز لنا الاقتصار على أخبرنا فانه كذلك فيما نقلته من ثبت الفراوى من خط صاحبه عبد الرزاق الطبسى وفيما انتخبته بنيسابور من الكتاب من أصل فيه سماع شيخنا المؤيد وهو كذلك بخط الحافظ أبى القاسم الدمشقى العساكرى عن الفراوى وفى غير ذلك وأيضا فحكم المتردد فى ذلك المصير إلى أخبرنا لأن كل تحديث من حديث الحقيقة اخبار وليس كل اخبار تحديثا فصل قال الشيخ الامام أبو عمرو بن الصلاح رضى الله عنه اعلم أن ابراهيم بن سفيان فى الكتاب فائتا لم يسمعه من مسلم يقال فيه أخبرنا ابراهيم عن مسلم ولا يقال فيه أخبرنا مسلم ولا حدثنا مسلم وروايته لذلك عن مسلم اما بطريقة الاجازة واما بطريقة الوجادة وقد غفل أكثر الرواة عن تبين ذلك وتحقيقه فى فهاريسهم وتسميعاتهم واجازاتهم وغيرها بل يقولون فى جميع الكتاب أخبرنا ابراهيم قال أخبرنا مسلم وهذا الفوات فى ثلاثة مواضع محققة فى أصول معتمدة فأولها فى كتاب الحج فى باب الحلق والتقصير حديث بن عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ المحلقين برواية بن نمير فشاهدت عنده فى أصل الحافظ أبى القاسم الدمشقى بخطه ما صورته أخبرنا أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم قال حدثنا بن نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عمر الحديث وكذلك فى أصل بخط الحافظ أبى عامر العبدرى الا أنه قال حدثنا أبو إسحاق وشاهدت عنده فى أصل قديم مأخوذ عن أبى أحمد الجلودى ما صورته من ها هنا قرأت على أبى أحمد حدثكم ابراهيم عن مسلم وكذا كان فى كتابه إلى العلامة وقال الشيخ ﵀ وهذه العلامة هي بعد ثمان ورقات أو نحوها عند أول حديث بن عُمَرَ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ
1 / 12
خارجا إلى سفر كبر ثلاثا وعندها فى الاصل المأخوذ عن الجلودى ما صورته إلى هنا قرأت عليه يعنى على الجلودى عن مسلم ومن هنا قال حدثنا مسلم وفى أصل الحافظ أبى القاسم عندها بخطه من هنا يقول حدثنا مسلم والى هنا شك الفائت الثانى لابراهيم أوله فى أول الوصايا قَوْلُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لمحمد بن المثنى فى حديث بن عمر ما حق أمرىء مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ إلى قوله فى آخر حديث رواه في قصة حويصة ومحيصة في القسامة حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا بشر بن عمرو قال سمعت مالك بن أنس الحديث وهو مقدار عشر ورقات ففي الأصل المأخوذ عن الجلودي والأصل الذي بخط الحافظ أبي عامر العبدري ذكر انتهاء هذا الفوات عند أول هذا الحديث وعود قول ابراهيم حدثنا مسلم وفي أصل الحافظ أبي القاسم الدمشقي شبه التردد في أن هذا الحديث داخل في الفوات أو غير داخل فيه والاعتماد على الاول الفائت الثالث أوله قول مسلم في أحاديث الامارة والخلافة حدثنى زهير بن حرب حدثنا شبابة حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ انما الامام جثة ويمتد إلى قوله في كتاب الصيد والذبائح حدثنا محمد بن مهران الرازي حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الخياط حديث أبي ثعلبة الخشنى اذا رميت سهمك فمن أول هذا الحديث عاد قول ابراهيم حدثنا مسلم وهذا الفوات أكثرها وهو نحو ثماني عشرة ورقة وفي أوله بخط الحافظ الكبير أبي حازم العبدري النيسابوري وكان يروى الكتاب عن محمد بن يزيد العدل عن ابراهيم ما صورته من هنا يقول ابراهيم قال مسلم وهو في الاصل المأخوذ عن الجلودي وأصل أبي عامر العبدري وأصل أبي القاسم الدمشقي بكلمة عن وهكذا في الفائت الذي سبق في الأصل المأخوذ عن الجلودي وأصل أبي عامر العبدري وأصل أبي القاسم وذلك يحتمل كونه روى ذلك عن مسلم بالوجادة ويحتمل الاجازة ولكن في بعض النسخ التصريح في بعض ذلك أو كله يكون ذلك عن مسلم بالاجازة والله اعلم هذا آخر كلام الشيخ ﵀
(
فصل)
قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ ﵀ اعلم أن الرواية بالاسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا وكثير من الاعصار قبله اثبات ما يروى اذ لا يخلو اسناد منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطا يصلح لان يعتمد عليه في ثبوته وانما المقصود بها ابقاء سلسلة الاسناد التي خصت بها هذه الامة زادها الله كرامه واذا كان
1 / 13
كذلك فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من صحيح مسلم وأشباهه أن ينقله من أصل مقابل على يدي ثقتين بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول فقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة تتنزل منزلة التواتر أو منزلة الاستفاضة هذا كلام الشيخ وهذا الذي قاله محمول على الاستحباب والاستظهار والا فلا يشترط تعداد الأصول والروايات فان الأصل الصحيح المعتمد يكفي وتكفي المقابلة به والله اعلم
(
فصل)
اتفق العلماء ﵏ على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الامة بالقبول وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الاتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ شيخ الحاكم أبي عبد الله بن البيع كتاب مسلم أصح ووافقه بعض شيوخ المغرب والصحيح الاول وقد قرر الامام الحافظ الفقيه النظار أبو بكر الاسماعيلي ﵀ في كتابه المدخل ترجيح كتاب البخاري وروينا عن الامام أبي عبد الرحمن النسائي ﵀ أنه قال ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري قلت ومن أخصر ما ترجح به اتفاق العلماء على ان البخاري أجل من مسلم وأعلم بصناعة الحديث منه وقد انتخب علمه ولخص ما ارتضاه في هذا الكتاب وبقي في تهذيبه وانتقائه ست عشرة سنة وجمعه من ألوف مؤلفة من الاحاديث الصحيحة وقد ذكرت دلائل هذا كله في أول شرح صحيح البخاري ومما ترجح به كتاب البخاري ان مسلما ﵀ كان مذهبه بل نقل الاجماع في أول صحيحه أن الاسناد المعنعن له حكم الموصول بسمعت بمجرد كون المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصر واحد وان لم يثبت اجتماعهما والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما وهذا المذهب يرجح كتاب البخاري وان كنا لا نحكم على مسلم بعمله في صحيحه بهذا المذهب لكونه يجمع طرقا كثيرة يتعذر معها وجود هذا الحكم الذي جوزه والله أعلم وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة وهي كونه أسهل متناولا من حيث أنه جعل لكل حديث موضعا واحدا يليق به جمع فيه طرقه التي ارتضاها
1 / 14
واختار ذكرها وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه بخلاف البخاري فانه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة وكثير منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم انه اولى به وذلك لدقيقة يفهمها البخاري منه فيصعب على الطالب جمع طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره البخاري من طرق هذا الحديث وقد رأيت جماعة من الحفاظ المتأخرين غلطوا في مثل هذا فنفوا رواية البخاري أحاديث هي موجودة في صحيحه في غير مظانها السابقة إلى الفهم والله اعلم ومما جاء في فضل صحيح مسلم ما بلغنا عن مكي بن عبدان احد حفاظ نيسابور أنه قال سمعت مسلم بن الحجاج ﵁ يقول لو أن أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند يعني صحيحه قال وسمعت مسلما يقول عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال أنه صحيح وليس له علة خرجته وذكر غيره ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي باسناده عن مسلم ﵀ قال صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة
(
فصل)
قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ ﵀ شرط مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن يكون الحديث متصل الاسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ والعلة قال وهذا حد الصحيح فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بين أهل الحديث وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء شرط من هذه الشروط وبينهم خلاف في اشتراطه كما اذا كان بعض الرواة مستورا أو كان الحديث مرسلا وقد يكون سبب اختلافهم أنه هل اجتمعت فيه هذه الشروط أم انتفى بعضها وهذا هو الأغلب في ذلك كما اذا كان الحديث في رواته من اختلف في كونه من شرط الصحيح فاذا كان الحديث رواته كلهم ثقات غير أن فيهم أبا الزبير المكي مثلا أو سهيل بن أبي صالح أو العلاء بن عبد الرحمن أو حماد بن سلمة قالوا فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم وليس بصحيح على شرط البخاري لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الشروط المعتبرة ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم وكذا حال البخاري فيما خرجه من حديث عكرمة مولى بن عباس واسحاق بن محمد الفروي وعمرو بن مرزوق وغيرهم ممن احتج بهم البخاري ولم يحتج بهم مسلم قال
1 / 15
الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في كتابه المدخل إلى معرفة المستدرك عدد من خرج لهم البخاري في الجامع الصحيح ولم يخرج لهم مسلم أربعمائة وأربعة وثلاثون شيخا وعدد من احتج بهم مسلم في المسند الصحيح ولم يحتج بهم البخاري في الجامع الصحيح ستمائة وخمسة وعشرون شيخا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ ﵀ في صحيحه في باب صفة صلاة رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْسَ كل شيء صحيح عندي وضعته ها هنا يعنى في كتابه هذا الصحيح وانما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه فمشكل فقد وضع فيه أحاديث كثيرة مختلفا في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه قال الشيخ وجوابه من وجهين أحدهما أن مراده أنه لم يضع فيه الا ما وجد عنده فيه شروط الصحيح المجمع عليه وان لم يظهر اجتماعها في بعض الاحاديث عند بعضهم والثاني أنه أراد أنه لم يضع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متنا أو اسنادا ولم يرد ما كان اختلافهم انما هو في توثيق بعض رواته وهذا هو الظاهر من كلامه فانه ذكر ذلك لما سئل عن حديث أبي هريرة فاذا قرأ فأنصتوا هل هو صحيح فقال هو عندي صحيح فقيل لم لم تضعه ها هنا فأجاب بالكلام المذكور ومع هذا فقد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في اسنادها أو متنها لصحتها عنده وفي ذلك ذهول منه عن هذا الشرط أو سبب آخر وقد استدركت وعللت هذا آخر كلام الشيخ ﵀
(
فصل)
قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ ﵀ ما وقع في صحيحي البخاري ومسلم مما صورته صورة المنقطع ليس ملتحقا بالمنقطع في خروجه من حيز الصحيح إلى حيز الضعيف ويسمى هذا النوع تعليقا سماه به الامام أبو الحسن الدارقطني ويذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين وكذا غيره من المغاربة وهو في كتاب البخاري كثير جدا وفي كتاب مسلم قليل جدا قال فاذا كان التعليق منهما بلفظ فيه جزم بأن من بينهما وبينه الانقطاع قد قال ذلك أو رواه واتصل الاسناد منه على الشرط مثل أن يقولا روى الزهري عن فلان ويسوقا اسناده الصحيح فحال الكتابين يوجب أن ذلك من الصحيح عندهما وكذلك ما روياه عمن ذكراه بلفظ مبهم لم يعرف به وأورداه أصلا محتجين به وذلك مثل حدثني بعض أصحابنا ونحو ذلك قال وذكر الحافظ أبو على الغساني الجياني أن الانقطاع وقع فيما رواه مسلم في كتابه في أربعة عشر موضعا أولها في التيمم قوله في حديث أبي الجهم وروى الليث بن سعد ثم قوله في كتاب
1 / 16
الصلاة فى باب الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ حدثنا صاحب لنا عن إسماعيل بن زكريا عن الاعمش وهذا فى رواية أبى العلاء بن ماهان وسلمت رواة أبى أحمد الجلودى من هذا فقال فيه مسلم حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن زكريا ثم فى باب السكوت بين التكبير والقراءة قوله وحدثت عن يحيى بن حسان ويونس المؤدب ثم قوله فى كتاب الجنائز فى حديث عائشة رضى الله عنها فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى البقيع ليلا وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ حَجَّاجًا الْأَعْوَرَ وَاللَّفْظُ لَهُ قال حدثنا بن جريج وقوله فى باب الحوائج فى حديث عائشة رضى الله عنها حدثنى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أبى أويس وقوله في هذا الباب وروى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ ربيعة وذكر حديث كعب بن مالك في تقاضي بن أبي حدرد وقوله في باب احتكار الطعام في حديث معمر بن عبد الله العدوي حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن عون وقوله فِي صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عنه ابراهيم بن سعيد الجوهري قال حدثنا أبو اسامة وذكر أبو علي أنه رواه أبو أحمد الجلودي عن محمد بن المسيب الارغيابي عن ابراهيم بن سعيد قال الشيخ وريناه من غير طريق أحمد عن محمد بن المسيب ورواه غير بن المسيب عن ابراهيم الجوهري وسنورد ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى وقوله في آخر الفضائل في حديث بن عُمَرَ ﵄ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ (أرأيتكم ليلتكم هذه) رواية مسلم اياه موصولا عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ثم قال حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال أخبرنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب ورواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلاهما عن الزهري باسناد معمر كمثل حديثه وقول مسلم في آخر كتاب القدر في حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ (لتركبن سنن من قبلكم) حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبي مريم وهذا قد وصله ابراهيم بن محمد بن سفيان عن محمد بن يحيى عن بن أبي أبي مريم قال الشيخ وانما أورده مسلم على وجه المتابعة والاستشهاد وقوله فيما سبق في الاستشهاد والمتابعة في حديث البراء بن عازب في الصلاة الوسطى بعد أن رواه موصولا ورواه الاشجعي عن سفيان الثوري إلى آخره وقوله أيضا في الرجم في المتابعة لما رواه موصولا من حديث أبي هريرة في الذي اعترف على نفسه بالزنى ورواه
1 / 17
الليث أيضا عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن بن شهاب بهذا الاسناد وقوله في كتاب الامارة في المتابعة لما رواه متصلا من حديث عوف بن مالك (خيار أئمتكم الذين تحبونهم) ورواه مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ قال الشيخ وذكر أبو علي فيما رواه عندنا من كتابه في الرابع عشر حديث بن عمر (أرأيتكم ليلتكم هذه) المذكور في الفضائل وقد ذكره مرة أخرى فيسقط هذا من العدد ويسقط الحديث الثاني لكون الجلودي رواه عن مسلم موصولا وروايته هي المعتمدة المشهورة فهي اذا اثنا عشر لا أربعة عشر قال الشيخ وأخذ هذا عن أبي على أبو عبد الله المازري صاحب المعلم فأطلق أن هذا في الكتاب أحاديث مقطوعة في أربعة عشر موضعا وهذا يوهم خللا في ذلك وليس ذلك كذلك وليس شيء من هذا والحمد لله مخرجا لما وجد فيه من حيز الصحيح بل هي موصولة من جهات صحيحة لا سيما ما كان منها مذكورا على وجه المتابعة في نفس الكتاب وصلها فاكتفى بكون ذلك معروفا عند أهل الحديث كما انه روى عن جماعة من الضعفاء اعتمادا على كون ما رواه عنهم معروفا من رواية الثقات على ما سنرويه عنه فيما بعد ان شاء الله تعالى قال الشيخ أبو عمرو ﵀ وهكذا الأمر في تعليقات البخاري بألفاظ جازمة مثبتة على الصفة التي ذكرناها كمثل ما قال فيه قال فلان أو روى فلان أو ذكر فلان أو نحو ذلك ولم يصب أبو محمد بن حزم الظاهري حيث جعل مثل ذلك انقطاعا قادحا في الصحة واستروح إلى ذلك في تقرير مذهبه الفاسد في اباحة الملاهي وزعمه انه لم يصح في تحريمها حديث مجيبا عن حديث أبي عامر أو أبى مالك الأشعري عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ (ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف) إلى آخر الحديث فزعم أنه وان أخرجه البخاري فهو غير صحيح لان البخاري قال فيه قال هشام بن عمار وساقه باسناده فهو منقطع فيما بين البخاري وهشام وهذا خطأ من بن حزم من وجوه أحدها أنه لا انقطاع في هذا أصلا من جهة أن البخارى لقى هشاما وسمع منه وقد قررنا فى كتابنا علوم الحديث أنه اذا تحقق اللقاء والسماع مع السلامة من التدليس حمل ما يرويه عنه على السماع بأى لفظ كان كما يحمل قول الصحابى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ على سماعه منه اذا لم يظهر خلافه وكذا غير قال من الالفاظ الثانى أن هذا الحديث بعينه معروف الاتصال بصريح لفظه من غير جهة البخارى الثالث أنه إن كان ذلك انقطاعا فمثل ذلك فى الكتابين غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف
1 / 18
من عادتهما وشرطهما وذكرهما ذلك فى كتاب موضوع لذكر الصحيح خاصة فلن يستجيرا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت بخلاف الانقطاع أو الارسال الصادر من غيرهما هذا كله فى المعلق بلفظ الجزم أما اذا لم يكن ذلك منهما بلفظ جازم مثبت له عمن ذاكره عنه على الصفة التى تقدم ذكرها مثل أن يقولا روى عن فلان أو ذكر عن فلان أو في الباب عن فلان ونحو ذلك فليس ذلك في حكم التعليق الذي ذكرناه ولكن يستأنس بإيرادهما له وأما قول مسلم في خطبة كتابه وقد ذكر عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أن ننزل الناس منازلهم) فهذا بالنظر إلى أن لفظه ليس جازما لا يقتضي حكمه بصحته وبالنظر إلى أنه احتج به وأورده ايراد الاصول لا ايراد الشواهد يقتضى حكمه بصحته ومع ذلك فقد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه كتاب معرفة علوم الحديث بصحته وأخرجه أبو داود في سننه باسناده منفردا به وذكر أن الراوي له عن عائشة ميمون بن أبي شبيب ولم يدركها قال الشيخ وفيما قاله أبو داود نظر فانه كوفى متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة وعند مسلم التعاصر مع امكان التلاقي كاف في ثبوت الادراك فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لابي داود الجزم بعدم ادراكه وهيهات ذلك هذا آخر كلام الشيخ قلت وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده وقال هذا الحديث لا يعلم عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا من هذا الوجه وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا والله أعلم
(
فصل)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ ﵀ جميع ما حكم مسلم ﵀ بصحته فى هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته والعلم النظرى حاصل بصحته فى نفس الأمر وهكذا ما حكم البخارى بصحته فى كتابه وذلك لان الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه فى الاجماع قال الشيخ والذى نختاره أن تلقى الأمة للخبر المنحط عن درجة التواتر بالقبول يوجب العلم النظرى بصدقه خلافا لبعض محققى الاصوليين حيث نفى ذلك بناء على أنه لا يفيد فى حق كل منهم الا الظن وانما قبله لانه يجب عليه العمل بالظن والظن قد يخطىء قال الشيخ وهذا مندفع لان ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطىء والامة في اجماعها معصومة من الخطأ وقد قال امام الحرمين لو حلف انسان بطلاق امرأته أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لاجماع علماء المسلمين
1 / 19
على صحتها قال الشيخ ولقائل أن يقول انه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتها للشك في الحنث فانه لو حلف بذلك في حديث ليست هذه صفته لم يحنث وان كان راويه فاسقا فعدم الحنث حاصل قبل الاجماع فلا يضاف إلى الاجماع قال الشيخ والجواب أن المضاف إلى الاجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا وأما عند الشك فعدم الحنث محكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام امام الحرمين فهو اللائق بتحقيقه فاذا علم هذا فما أخذ على البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستنثى مما ذكرناه لعدم الاجماع على تلقيه بالقبول وما ذلك الا في مواضع قليلة سننبة على ما وقع في هذا الكتاب منها ان شاء الله تعالى وهذا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو ﵀ هنا وقال في جزء له ما اتفق البخاري ومسلم على اخراجه فهو مقطوع بصدق مخبره ثابت يقينا لتلقى الأمة ذلك بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في افادة العلم كالمتواتر الا أن المتواتر يفيد العلم الضروري وتلقى الامة بالقبول يفيد العلم النظري وقد اتفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق قال الشيخ في علوم الحديث وقد كنت أميل إلى أن ما اتفقنا عليه فهو مظنون وأحسبه مذهبا قويا وقد بان لي الآن أنه ليس كذلك وان الصواب أنه يفيد العلم وهذا الذي ذكره الشيخ في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والاكثرون فانهم قالوا أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة انما تفيد الظن فإنها آحاد والآحاد انما تفيد الظن على ما تقرر ولا فرق بين البخاري ومسلم وغيرهما في ذلك وتلقى الأمة بالقبول انما أفادنا وجوب العمل بما فيهما وهذا متفق عليه فان أخبار الآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها اذا صحت أسانيدها ولا تفيد الا الظن فكذا الصحيحان وانما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل به مطلقا وما كان في غيرهم لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من اجماع الأمة على العمل بما فيهما اجماعهم على أنه مقطوع بأنه كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ اشتد انكار بن برهان الامام على من قال بما قاله الشيخ وبالغ في تغليطه وأما ما قاله الشيخ ﵀ في تأويل كلام امام الحرمين في عدم الحنث فهو بناء على ما اختاره الشيخ وأما على مذهب الاكثرين فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث ظاهرا ولا يستحب له التزام الحنث حتى تستحب له الرجعة كما لو حلف بمثل ذلك في غير الصحيحين فانا لا نحنثه لكن
1 / 20