============================================================
صلى الله عليه وسلم : "بعثث بالحنيفية السمحة "(1)، والورع موضوع على التشديد والاحتياط ، كما قيل : الأمرعلى المتقي أضيق من عقد التسعين (2) .
ثم الورع من الشرع أيضا، وكلاهما في الأصل واحذد، وللكن للشرع حكمان : حكم الجواز، وحكم الأفضل الأحوط، فالجائز يقال لهآ حكم الشرع، والأفضل الأحوط يقال له حكم الورع ، فهما مع تميزهما واحد في الأصل، فافهم ذلك راشدا فإن قلت : إذا جاز البحث والاستقصاءآ عن كل شيء: . فسد علينا ما نأخذه في هذا الزمان، وتعذر الأمر بمرة على صاحب الورع ؛ إذ لا بد له من بلاغ يبلغه إلى الطاعة .
فاعلم : أن طريق الورع شديد، وأن من قصد سلوكه.. فشرطه : أن يوطن نفسه وقلبه على احتمال الشدة، وإلا.. فلا يتم له ذلك، ولهذا المعنى صار الكثير من أهل الورع والسابقون إلى جبل لبنان وغيره، فاقتصروا على أكل الحشيش وثمرات تافهة لا شبهة فيها بحال ، فمن سمت همثه إلى نيل منزلة الورع الأعلى.. فعليه أن يحتمل الشدائد ويصبر عليها، ويسلك طريق أولئك لينال منزلتهم ، وأما إن أقام بين الناس، وأكل مما يتداولونه في أيديهم.. فليكن عنده بمنزلة الميتة لا يقدم عليها إلا عند الضرورة ، ثم لا يتناول منها إلا مقدار ما يبلغه إلى الطاعة، فيكون له عذر في ذلك، ولا يضرؤه إن كان في أصله شبهة؛ فإن الله تعالى أولى بالعذر، ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: فسد الشوق، فعليكم بالقوت.
ولقد بلغني عن وهيب بن الورد رحمه الله أنه كان يجوع نفسه يوما ويومين وثلاثة، ثم يأخذ رغيفا ويقول : اللهم ؛ إنك تعلم أني لا أقوى على العبادة وأخشى الضعف، وإلا. لم آكله، اللهم؛ إن كان فيه شيء من خبث أو
Page 137