٤- تنوير: وقد أدرجت تفاصيل القول في جميع ذلك في منهج منهج ومعلم معلم من مناهج هذا الكتاب ومعالمه، إذ لم يمكن إدراج ذلك في منهج واحد، لأن ذلك يخرجه إلى مباينة غيره من المناهج في الطول، فيعدل بوضع الكتاب إلى ضد ما قصدنا به من المناسبة والمعادلة. فلذلك اقتصرت في هذا المنهج من النظر في صحة المعاني على ما يقع فيها من إحالة، من جهة نسبة وصف إلى موصوف، ومن جهة تناقض واقع بين متقابلين، أو من جهة تدافع بين المعاني وأغراض الكلام، أو من جهة تباين بين الأوصاف وأحوال الموصوفين.
٥- إضاءة: وكذلك اقتصرت أيضًا من النظر في كمال المعاني على الإشارة على بعض جهات الكمال فيها لأن الكمال أيضًا يكون بالنظر إلى ما المعنى عليه في نفسه، ويكون بالنظر على ما يكتنفه وتكون له به علقة، ويكون بالنظر إلى غرض الكلام، ويكون بالنظر إلى حال الشيء الذي فيه القول.
٦- تنوير: وكمال المعنى في نفسه يكون باعتبار استيفاء أجزائه البسيطة، أو استيفاء أجزائه المركبة، لأن المعاني منها ما ينحل إلى أجزاء مركبة، ومنها ما لا ينحل إلا إلى أجزاء بسيطة. وقد تقدم أن أجزاء المعاني قد يكون جميعها متعددا، وقد يتعدد بعضها دون بعض، وأنها قد تتكرر لضروب من المقاصد. وكل ذلك لا يخلو من أن يكون ضروريا بالنظر إلى صحة المعنى وكمال تأديته أو أكيدا فيه أو مستحبا.
٧- إضاءة: وإذا وقع التعداد في المعاني وكان ضروريا بالنسبة على الغرض واستمر في العبارة على نسق متشابه سمي قسمة. وقد يسمى بذلك ما كان متأكدا أو مستحبا، وإن لم يكون ضروريا، على سبيل المسامحة. وأما ما سوى ذلك من أنحاء النظر في كمال المعنى فقد تضمنت التنبيه عليه مواضع كثيرة من هذا الكتاب، فليتأمل هنالك.
٨- تنوير: وتمكن المعنى أيضًا يكون بنحو من تلك الاعتبارات، ولم نلمم في هذا الموضع إلا بما يكون التمكن فيه بالنظر إلى ما يواجه به المعنى ويرام التوفيق في الوضع بينهما من جهة ما لأحدهما انتساب إلى الآخر يقتضي المقارنة بينهما، وما عدا ذلك من أنحاء التمكن يتعرف من مواضع أخر من هذا الكتاب.
٩- إضاءة: فأما وضوح المعاني وبيانها وغموضها واستغلاقها فأنا أستقصي في هذا المنهج أنحاء النظر في الوجوه التي بها يكون بيان المعنى أو انبهامه من جهة ما يرجع إليه في نفسه، ومن جهة نسبة اللفظ الدال عليه إلى فهم المخاطب، وإن كان ذكر هذا أليق بالقسم الأول. لكنا قصدنا في هذا المنهج أن يكون القول في جميع ما يكون به انبهام المعاني مستقصى، وأن نتقصى أنحاء النظر من ذلك فيما تقدم الإلماع به من ذلك في المنهج الثالث من القسم الأول.
ب- معرف دال على طرق المعرفة بأنحاء النظر في صحة المعاني وسلامتها من الاستحالة الواقعة بالإفراط في المبالغة.
لا يخلو الشيء المقصود مدحه أو ذمه من أن يوصف بما يكون فيه واجبا أو ممكنا أو ممتنعا أو مستحيلا. والوصف بالمستحيل أفحش ما يمكن أن يقع فيه جاهل أو غالط في هذه الصناعة. والممتنع قد يقع في الكلام إلا أن ذلك لا يستساغ إلا على جهة من المجاز. والفرق بين الممتنع والمستحيل: أن المستحيل هو الذي لا يمكن وقوعه ولا تصوره، مثل أن يكون شيء طالعا نازلا في حال. والممتنع هو الذي يتصور وإن لم يقع كتركيب عضو من حيوان على جسد من حيوان آخر.
١- إضاءة: فمدار الأوصاف إذن -بالنظر إلى ما يستساغ ويوثر- إنما هو على ما كان واجبا واقعا، أو ممكنا معتاد الوقوع، أو مقدره. والممكن لا يخلو من أن تتوفر فيه دواعي الإمكان أو أن تقل. وكلما توفرت دواعي الإمكان كان الوصف أوقع في النفس وأدخل في حيز الصحة. ولهذا يقال: ممكن قريب وممكن بعيد.
٢- تنوير: والواجب الثابت الوقوع لا يخلو من أن يكون متناهيا في الخال التي هو عليها، أو قاصرا فيها، أو وسطا بين المتناهي والقاصر. وكل ذلك لا يخلو من أن يكون الوصف به تحسينا للموصوف ومدحا له، أو تقبيحا له وذما. والمدح بالقاصر مما يحسن تقصير في المدح. والذم بالقاصر مما يقبح تقصير في الذم.
1 / 43