Minhaj al-Talibin wa-Balagh al-Raghibin
منهج الطالبين وبلاغ الراغبين
Genres
وكذلك: لا يضاف إليه أنه أمرض المرضي؛ لأن هذه صفة غير حسنة؛ لقوله تعالي: يحيك عن نبيه، وخليله إبراهيم (صلوات الله عليه): " والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين " فأضاف الإطعام والإسقام له، والشفاء إلى الله جل جلاله، وأضاف المرض إلى نفسه، ولو كان المرض قضاه الله على المريض، لأنه صفة غير حسنة.
وكذلك: ما يشبه هذا المعني، قول الناس: أفسد زرعنا المطر، وخربت شجرنا الريح، ونزهوا الله عن هذه الصفة، والريح والمطر، لا يقدران على شيء، وإنما هي سخرها الله عز وجل، وبالله التوفيق.
رجع إلى الكتاب.
ومن ثمرانه أيضا: ترك الشكاية إلى الخلق، وترك الغضب عليهم، والتسليم لحكم الله جل جلاله، فكان أحد ثمرانه قول أبي الدرداء، لما قيل له في مرضه: نطلب لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني.
وقول أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) لما مرض: فقيل له: ما قال لك الطبيب؟ فقال: قال: إني فعال لما أريد.
قال: ويخرج عن هذا التوحيد: اتباع الهوي؛ فكل متبع هواه، فقد اتخذ هواه معبودا له، قال الله تعالي: " أرأيت من اتخذ إلهه هواه "؟، وقال (عليه السلام): أبغض إله عبد في الأرض عند الله: هو الهوى. قال: وعلى التحقيق؛ من تأمل عرف أن عابد الصم ليس يعبد الصم، إنما يعبد هواه؛ إذ نفسه مائلة إلى دين آبائه، فيتبع ذلك الميل ميل النفس إلى المألوف، وهو أحد المعاني التي يعبر عنها الهوي.
قال: ويخرج عن هذا التوحيد السخط عن الخلق، والالتفات إليهم؛ فإن من يري الكل من الله عز وجل؛ كيف يسخط على غيره؟، فقد كان التوحيد عبارة عن هذا المقام، وهو من مقامات الصديقين. فانظر إلى ما خول، وبأي قشر قنع؟ وكيف أجد هذا معتصما بالتمدح، والتفاخر، بما هو اسمه محمود مع الإفلاس عن المعني الذي يستحق الحمد الحقيقي.
Page 253