وإجماع الأمة ووسائل الاستنباط، فتلك مصادر الفقه وموارد الفقيه التي يستقي منها الفتوى في كل مسألة عويصة وحادثة جديدة.
وقد ضرب فقهاء السلف في ذلك بسهم وافر، وكانوا سببًا في الثراء الكبير، الذي افتخرت به المكتبة الإِسلامية، بما ألفوا من الكتب وقعّدوا من القواعد، وبما خرّجوا من التلاميذ الذين حملوا المشعل بأمانة إلى من بعدهم، وساروا بالأمة على النهج الواضح القويم.
كان من أبرز هؤلاء الأئمةُ الأربعةُ الذين انتشرت مذاهبهم وكثر أتباعهم، وقد تتابع أتباع كل مذهب من هذه المذاهب على التأليف فيه وتدريسه ونشره، ولن ينقطع هذا الاهتمام ما دامت الأمة معتزة بتشريعها وتراثها، متصلة بماضيها الخالد النفيس.
وكان الإمام أحمد بن حنبل أحد هؤلاء الأئمة، واحد أئمة الحديث الكبار الذين حفظوا الأحاديث وأتقنوا الآثار وأجادوا تلك الصناعة حتى كان من أحذق صيارفة الحديث، ولقد كان مصدر شهرة الإمام أحمد في الحديث ما امتاز به من حفظ منقطع النظير، وما تركه من آثار كبيرة في هذا المجال. فلقد كان من آثاره ﵀:
١ - كتاب المسند، المشهور وفيه ما يقرب من أربعين ألف حديث -بالمكرر- مطبوع.
٢ - كتاب التفسير، وعدد أحاديثه مائة وعشرون ألفًا (١).
_________
(١) وقد استبعد الذهبي -في سير أعلام النبلاء ١٣/ ٥٢١ - ٥٢٢، في ترجمة عبد الله بن الإمام أحمد- أن يكون مثل هذا الكتاب للإمام أحمد للأسباب التالية:
١ - عدم وصول شيء منه إلينا، مع اهتمام علماء الحنابلة بتراث أحمد ووفرتهم ببغداد.
٢ - أنه لو كان لأحمد لنقحه من الأحاديث التي لا تثبت ولم يصل عدد أحاديثه إلى هذا القدر.
٣ - أن الإمام أحمد كان لا يرى التصنيف وإنما جمع المسند ابنه عبد الله، حيث كان
يسمعه من والده نسخًا وأجزاءً.
1 / 6